شل مركز المدينة العربية:
بعد أن تمّت محاصرة القدس العربية من جميع الجهات بالمستعمرات، وإقامة ألوف الوحدات السكنية اليهودية ومصادرة 33% من مساحة القدس، وإسكان الألوف من المستوطنين بدأت مرحلة أخرى من عملية التهويد وضرب العصب الاقتصادي الفلسطيني وذلك بالإعلان عن مخطط جديد لمركز المدينة لتقييد النشاط التجاري، امتد بشكل ضئيل جداً وراء صفين من المحلات التجارية والمكاتب التي كانت موجودة قبل عام 1967م. لقد كان من الممكن أن تكون الأراضي التي صودرت شمالي القدس مساحة للتوسع التجاري وللمؤسسات الفلسطينية التي ابتعدت عن المنطقة التجارية من جرّاء سياسة المصادرة عن مركز المدينة إلى الإحياء البعيدة، وتنوي البلدية الآن إحداث تغييرات جذرية على المنطقة التجارية حيث سيتم إخلاء مواقف الشاحنات والسيارات العمومية والبسطات لتنظيف الشوارع المحيطة بأسوار البلدة القديمة. كما سيتم إعادة تخطيط طريق حركة السير حتى يتم تخفيف الازدحام المروري. إلا أنه وبدون خلق بديل للوصول الى موقع المناطق التجارية وإيجاد مناطق تجارية جديدة، فإن هذه التغييرات ستضعف القدس الشرقية أكثر من حيث موقعها التقليدي كمركز للمواصلات التجارية في الضفة الغربية، وبدأت ظاهرة نقل المؤسسات التجارية والاقتصادية من قلب المركز تأخذ بعداً سياسياً واقتصادياً، وبرزت ظاهرة مدينة الاشباح بعد الساعة الرابعة.
المستعمرات الاسرائيلية ضمن حدود بلدية القدس الموسعة:
كما ذكرنا آنفاً فإن السياسة الإسرائيلية في تهويد القدس، بدأت عام 1967م مباشرة بهدم حارة الشرف بالقدس لتوسيع وبناء الحي اليهودي الجديد بتاريخ 1968م، ثم مصادرة (116دونماً) بموجب قرار أصدرته وزارة المالية مرفقاً بالخارطة رقم 5ب/أ/108/322 ونشر بالجريدة الرسمية رقم 1443. كان قائماً على هذه المساحة المصادرة 595 بناية تضم 1048 دكاناً وقبراً، وخمسة جوامع، وأربع مدارس، وسوقاً عربية تاريخية هي (سوق الباشورة) وشارعاً تجارياً هو جزء من شارع باب السلسلة، ويقع على طول هذا الشارع عدد من العمارات التاريخية التي يعود تاريخ بنائها الى العصر المملوكي. وكان يعيش في هذه المنطقة نحو 6 آلاف عربي في ثلاثة أحياء هي حي المغاربة والذي دمر كلياً بعد الحرب مباشرة، وجزء من حي السريان وحي الشرف.
وتشكل هذه المساحة حوالي 20% من مساحة البلدية القديمة من القدس (868 دونماً، مساحة البلدة القديمة). وقد بذلت السلطات جهوداً مكثفة ووظفت استثمارات مالية هائلة لإعادة بناء الحي، ليس بصورة موسعة فقط، بل وبدقة عالية من المعمار الحديث الذي يستلزم إمكانات مالية مضاعفة، وذلك بهدف المزج بين الطراز التقليدي المتميز لمباني البلدة القديمة مع الطابع العصري في هذه المباني، لجعل هذا الحي معلماً سياحياً وحضارياً من معالم المدينة بالإضافة إلى الشروط المريحة للاستيطان. وبلغ عدد سكان هذا الحي (2.400) نسمة عام 1994م.
وقد نشر المشروع رقم (2185) الذي تبلغ مساحته 105 دونمات، والذي يقضي بإقامة 650 وحدة سكنية تشتمل على 2100 غرفة على مساحة 80 دونماً، أما عدد الوحدات السكنية المخططة فتبلغ 2122 وحدة. وأقيم في هذا الحي مؤسسات تعليمية ونواد، ومراكز للأمومة والطفولة، وعيادات صحية.
1- النبي يعقوب:
تمّ الإعلان عن مصادرة 1835 دونماً بين عامي 1968 و 1980م وتمّ نشر هذه الإعلانات بالجرائد الرسمية، بموجب قانون الأراضي (الاستملاك للمصلحة العامة لسنة 1943م. هذا وبلغ عدد الوحدات السكنية 3800 وحدة سكنية يقيم فيها 19.300 نسمة، على مساحة 862 دونماً بموجب المخطط الهيكلي رقم 1542. بالإضافة إلى وجود 46 دونماً مناطق خضراء، تعتبر احتياطياً للتوسع المستقبلي للمستعمرة.
2- راموت:
ضمن أكبر مصادرة جرت في مدينة القدس (عام 1970م) تم الاستيلاء على 4.840 دونماً، ونشر الإعلان عن هذه المصادرة بالجرائد الرسمية الإسرائيلية (النشرة العبرية) رقم (1656) بحجة الاستهلاك للمصلحة العامة. وقد تم إرفاق خارطة تحمل رقم هـ ف/121/322 بحدودها، بدأ تأسيس هذه المستعمرة عام 1972، وتشير الخارطة الهيكلية رقم (1861)، ومساحتها 2875 دونماً إلى وجود (8000) وحدة سكينة يقطنها الآن (37.200) نسمة، كما جرى توسيع حدودها مرة أخرى حاملة اسماً آخر هو راموت (06) والذي يقضي بإقامة (2000) وحدة سكنية جديدة.
3- جيلو:
بُدئ بتأسيس هذه المستعمرة عام 1971م، بعد أن تمّت مصادرة 2700 دونم عام 1970م، وحسب الخارطة الهيكلية رقم (1905) تبلغ مساحتها 2743 دونماً، أقيم فيها 7484 وحدة سكنية يسكنها 30.200 مستوطن، وقد تم توسيع حدودها أكثر من مرة كان آخرها إضافة (300) وحدة سكنية. بعد أن تمت مصادرة المزيد من الأراضي على اعتبار أنها أملاك غائبين. وتعتبر هذه المستعمرة أكبر المستعمرات التي تقع في الجزء الجنوبي - الغربي حيث تسيطر على الأراضي والمناطق العليا المشرفة على بيت جالا وبيت لحم، وكذلك على مدينة القدس، وقد شُقَّ شارع عريض يصل بين مركز المدينة والمستعمرة (شارع بات - جيلو) وقسَّم بالتالي بيت صفافا إلى شطرين.
4- تلبيوت الشرقية:
تمت مصاردة أرض مساحتها 2240 دونماً، بموجب قرار المصادرة الصادر عام 1970م مرفقاً بالمخطط رقم هـ ف 122/322. وتشير الخارطة الهيكلية رقم 1848 إلى انّ مساحة هذه المستعمرة تبلغ 1071 دونماً وأقيمت فيها 4400 وحدة سكنية تستوعب حوالي 15.000 نسمة، وتشكل هذه المستعمرة مع مستعمرة جيلو الحزام الجنوبي - الشرقي من أحزمة الطوق حول القدس، ويقع جزء كبير من هذه المستعمرة على الأراضي الحرام التي تفصل الأردن وإسرائيل وتشرف عليها قوات مراقبة الهدنة، وبعد حرب عام 1967م وقعت إسرائيل اتفاقاً مع الأمم المتحدة تنازلت الأخيرة بموجبه عن 2084 دونماً واحتفظت بحوالي (716) دونماً. وقد بُدِئ بتأسيس المستعمرة عام 1973م.
5- معلوت دفنا:
أقيمت على أراض صودرت بموجب قرار رقم هـ ف 111/322 عام 1968م. وتعود ملكية هذه الأراضي إلى عائلات من مدينة القدس، ويشير المخطط الهيكلي رقم (1439أ) إلى أن مساحة هذه المستعمرة تبلغ (389) دونماً وأقيمت عليها 1184 وحدة سكنية بدء في إنشائها عام 1973م في المناطق الحرام السابقة التي كانت تفصل بين القدس الشرقية والغربية، وقد شق شارع رقم (1) بالقرب منها. وتُعتبر من مستعمرات أحزمة (القلب) حيث أقيم بجوارها المبنى الضخم لمقر حرس الحدود. وتخطط الحكومة لإنشاء المزيد من الوحدات السكنية في الأماكن التي بقيت خالية بموجب خطة شارون (26 بوابة حول القدس) ويبلغ عدد سكانها 4.700 نسمة.
6- الجامعة العبرية:
أقيمت المباني للجامعة العبرية على أراض قرب العيسوية عام 1924م بالإضافة إلى مستشفى وظلت كذلك حتى عام 1948م، وبقيت الجامعة العبرية ضمن المنطقة الخاضعة لاشراف الأمم المتحدة المنزوعة السلاح. وبعد عام 1967م، وبعد مصادرة مساحات واسعة من أراضي قريتي العيسوية ولفتا، جرى توسيع حدودها وذلك على حساب المناطق الحرام والمناطق العربية، وتمّ وصلها بالقدس الغربية عن طريق الأحياء السكنية التي أقيمت على مقربة من (التلة الفرنسية، جبعات همفتار، رامات اشكول) وتبلغ مساحة المخطط الهيكلي الذي يحمل رقم 3203، (740) دونماً. وللجامعة العبرية مكانة استراتيجية من الناحيتين الامنية والسياسية، حيث تسيطر على شمال القدس وتشرف على مجموعة قرى حولها، بالإضافة إلى إشرافها على وادي الاردن وجبال الاردن الغربية (وجبال السلط). وقد بلغ عدد سكانها 2500 نسمة.
7- ريخس شعفاط (جبعات هاشعفاط):
تقع هذه المستعمرة على أرض صودرت عام 1970م، بموجب قانون (الاستملاك للمصلحة العامة) وقد بلغت مساحة المستعمرة حسب المخطط الهيكلي 1973م (1198) دونماً، وزُرعت المنطقة في البداية حيث تحولت إلى محمية طبيعية، وفي عام 1990م، أُعلن عن إقامة هذه المستعمرة واقتُلعت الأشجار وأنشئت البنية التحتية لإقامة (2165) وحدة سكنية لليهود المتطرفين الكنديين. ويجري الآن وصل هذه المستعمرة بالمستعمرات الواقعة إلى الشمال الشرقي (نبي يعقوب، بسجات زئيف، بسجات عومر) بشارع يحمل رقم (12) ليصل الشارع رقم (9) داخل إسرائيل ليوصل بين المستعمرات الشرقية والغربية، وفصل القرى العربية عن بعضها البعض (بيت حنينا، شعفاط).
8- رامات اشكول، (جبعات همفتار):
تعتبر هذه المستعمرة من أول المستعمرات التي أُسِّست حول المدينة، وحلقة ربط بين الأحياء في القدس الغربية والقدس الشرقية، ففي 1/9/1968م صودر 3345 دونماً بموجب القرار (1425). وعلى ضوء ذلك أقيم هذا الحي السكني حيث تشير الخارطة الهيكلية لهذه المستعمرة إلى أن مساحتها 397 دونماً وتضم حوالي 2200 وحدة سكنية تستوعب 6.600 نسمة، وتعتبر هذه المستعمرة مع جبعات همفتار، الجزء الغربي من الأحياء الاستيطانية التي تم إنشاؤها لمراقبة الشارع العام الواصل بين القدس ورام الله، بالإضافة إلى تطويق مدينة القدس.
9- مستعمرتا بسجات زئيف، بسجات عومر:
أُقيمت على أراضي قرى (بيت حنينا، شعفاط، حزما وعناتا). وتمّت مصادرة 3800 دونماً لإقامة (12) ألف وحدة سكنية لإسكان (100) ألف مستوطن. وحسب المخططات الهيكلية المعنية ستكون هذه المستعمرات أكبر المستعمرات في الجزء الشمالي - الشرقي من مدينة القدس، وتكون الحزام الاستيطاني الثاني بعد الحزام الأول المحيط بالمدينة. ويبلغ عدد سكانها (1995م) 30 ألف نسمة. وهكذا فإنه باكتمال هاتين المستعمرتين بالإضافة إلى مستعمرة النبي يعقوب يكون قد تم بناء الحائط الشمالي الشرقي من المستعمرة الواقعة ضمن حدود بلدية القدس الموسعة، ولم يبق سوى منطقة فراغ واحدة يجب ملؤها ليتمّ وصل جميع مستعمرات الطوق الثاني مع الطوق الأول.
ولهذا السبب تمت مصادرة 826 دونماً ضمن مشروع ما يعرف بـ (البوابة الشرقية)، وأُغلق الجزء الشمالي الشرقي بالحائط الثاني وتطويق الإحياء العربية في هذا المنطقة بالإضافة إلى الموضوع السياسي وهو مصادرة المزيد من الأراضي العربية، وتهجير السكان العرب بطريقة غير مباشرة لعدم إمكانية البناء، وإقامة المراكز الصناعية لإيجاد العمل للمستوطنين.
10- عطروت (منطقة صناعية):
أقيمت على أراضٍ صودرت عام 1970م (1200 دونم) وأقيمت فيها صناعات الأثاث والصناعات المعدنية، وتم نقل كثير من المصانع من القدس الغربية إلى هذه المنطقة. ونتيجة لقربها من المطار فقد تم الإعداد لمشروع جديد يهدف إلى توسيع مدرج المطار والمنشآت الخاصة به، لاستخدامه في نقل البضائع للعالم الخارجي في حالة فتحه أمام الطائرات العالمية.
11- جبعات هماتوس:
أقيمت على أراضٍ تعود ملكيتها إلى قرية بيت صفافا ومدينة بيت جالا، وتبلغ مساحتها (170) دونماً. بُدئ بتأسيسها عام 1991م بنصب بضع مئات من الكرافانات. وتشير الخارطة الهيكلية إلى مساحتها الإجمالية 980 دونماً وإن أبنيتها المؤقتة سوف تستبدل بأبنية دائمة وإقامة 3600 وحدة سكنية. وتُعتبر هذه المستعمرة مع مستعمرة جيلو الحزام الجنوبي الغربي الذي يُبنى حول القدس من أجل منع الامتداد الغربي ومحاصرة القرى العربية التي تقع داخل حدود بلدية القدس وفصلها عن مدن الضفة الغربية.
12- مستعمرة (هار حوماه):
في عام 1990م تمّ استملاك 1850 دونماً من أراضي القرى العربية (صور باهر، أم طوبا، بيت ساحور) وهي الآن عبارة عن محمية طبيعية، ويشير المخطط الهيكلي الذي يحمل رقم (5053) لهذه المستعمرة إلى إقامة 6500 وحدة سكنية. وهكذا فإن إنشاء هذه المستعمرة في المنطقة الجنوبية -الشرقية، وبعد أن يتمّ وصلها بالمستعمرات الجنوبية القريبة والتي تكون أغلقت جنوب القدس، ضعت الشارع الواصل بين مدينة القدس وبيت لحم تحت السيطرة الاسرائيلية، تغلقه متى شاءت.
13- التلة الفرنسية:
تُعتبر من أول المستعمرات التي أُنشئت في القدس لاستكمال حلقة الطوق حول المدينة. وتُعتبر هذه المستعمرة التي أقيمت على أراضي قريتي لفتا وشعفاط من أكبر الاحياء السكنية في الحزام الاستيطاني الأول. وبموجب المخطط الهيكلي رقم (1541أ)، بلغت مساحتها 822 دونماً، وتمّت إقامة 5000 وحدة سكنية فيها وبلغ عدد سكانها 6.500 نسمة.
14- مشروع ماميلا (قرية داود):
تقع غربي باب الخليل في منطقة حي الشماعة. في عام 1970م أعلن عن استملاك ما مساحته (130) دونماً بموجب الخارطة رقم هـ ف 125/322. وتُعتبر هذه المنطقة التي كانت منطقة حراماً جزءاً من مخطط عام يهدف الى دمج القدس الشرقية بالغربية، وإعادة تشكيل هاتين المنطقتين. وتُعتبر الاجزاء المصادرة جزءاً من الأملاك العربية، ويتم البناء في القرية الجديدة بطراز ونمط معين، بهدف تجاري وسياحي.
وهكذا، يمكننا القول أن سلطات الاحتلال قد خلقت واقعاً سياسياً وديمغرافياً جديداً في مدينة القدس، فالديمغرافية الإسرائيلية كانت على حساب الجغرافية الفلسطينية من خلال مصادرة الأراضي، وبناء المستعمرات، مناطق خضراء، سياسة هدم البيوت، ورفض منح تراخيص البناء، وقد أدى مجمل هذه الانتهاكات الإسرائيلية بحق الأرض والشعب الفلسطيني إلى خلق خلل ديمغرافي، لاستخدامه كوسيلة للضغط في أية مفاوضات مع الطرف الفلسطيني لانجاز اتفاقيات تخدم المصالح الإسرائيلية.