.
اول ثورة فى التاريخ ثورة بيبى الثانى
.. وكانت هذه الثورة من حوالي 45 قرنا في اواخر الأسرة السادسة..
نفر كارع بيبي الثاني تولي العرش وكان عمره ست سنوات وتعتبر فترةحكمه أطول فترات الحكم في مصر القديمة فحكم حوالي أربعة وتسعين عاماً وتوفى عن مائةعام، وكانت أمه وصية عليه في البداية وربما كان أشهر أعماله في السنوات الأولى من حكمه إرسال حملات إلى الجنوب كذلك بعض الرحلات التجارية إلى بيبلوس في الشمال ،وكان لطول مدة حكم الملك بيبي الثاني أثره في ضعف الأسرة ، فنجد أنه في النهايةبسبب كبر سنه غير قادر على كسب طاعة أمراء الأقاليم الأقوياء الذين زادت سلطتهم ولم يدينوا بالولاء للملك وامتنعوا عن دفع الجزية وظهر عدم الاستقرار وعدم الأمن فسادت الفوضى في كل مكان وأهملت القوانين وانهار الصرح الاجتماعي وطرد الموظفين من وظائفهم وزاد السلب والنهب
بدأت المأساة بضعف الملك بيبي الثاني لعجزه و طعونه في السن و ذهوله عما يجري حوله و تسليمه باكاذيب المنافقين من حوله، فأستقل حكام الأقاليم بأقاليمهم و استبدوابالاهالي، فرضوا المكوس الجائرة ، و نهبوا الأقوات ، و اهملوا اي اصلاح للري والارض،و انضم اليهم الكهنة حرصا على أوقافهم،يبيحون لهم بفتاواهم الكاذبة كل منكر، غير مبالين بانات الفقراء و ما يعانون من قهرو ذل و جوع، و كلما قصدهم مظلوم طالبوه بالطاعة و الصبر و وعدوه بحس الجزاء فيالاعالم الاخر، و بلغ منا الياس غايته، فلا حاكم يعدل، و لا قانون يسود، و لا رحمة تهبط، فانطلقت بين قومي أدعوهم الى العصيان و محاربة الظلم بالقوة،و سرعان ما استجابوا الى النداء، فحطموا حاجز الخوف و التقاليد البالية، و وجهوا ضرباتهم القاتلة الى الطغاة و الظالمين، و سرت النار المقدسة الى جميع البلاد وانطلقت قذائف الغضب الاحمر على الحكام والموظفين و رجال الدين والمقابر."
والثورة المصرية التي تركت طابعها على ذاكرة الشعب كانت انطباعاً يمثل ثورة عارمة اختلت فيها الموازين وانقلبت الأدوار. فقد نهب الفقراء الأغنياء، وأصبح السادة السابقون عبيداً لعبيدهم السابقين. وتخلى القوم عن خدمة الطقوس الجنائزية الفرعونية القديمة. فالطقوس والفراعنة والأهرام والهياكل وكل ما عرفته المملكة القديمة من الأجهزة الفرعونية ثقيلة العبء، شوهت سمعته
وسنذهب إلى مؤرخ المصريات الشهير جيمس هنري برستد وكتابه 'تاريخ مصر من أقدم العصور وإلى العصر الفارسي' - يقول عن نفس تلك الفترة:
• 'لمناسبة جلوس بيبي الثاني على العرش في طفولته كانت مدة حكمه طويلة فقد قال مانيتون أن هذا الملك تولى في السنة السادسة وعاش مائة سنة.... وعليه فحكم هذا الملك أطول الأحكام في التاريخ.... والثابت أن الحوادث التي حصلت بعد وفاة بيبي الثاني ماتزال غامضة تصعب علينا معرفتها.... وهكذا بعدما حكمت حكومة نظامية لمدة تزيد على ألف سنة رجعت الحال إلى أصلها من الفوضى وعدم النظام' هذه هي أقدم ثورة اجتماعية شاملة نملك قيوداً عنها'.
وكل ما لدينا من معلومات مدونة كتبها مؤرخ اسمه (ابوري) في كتاب اسمه (صرخة نبي)، وقد وصف المؤرخ المصري الكبير سليم حسن هذه الثورة بأنها كالثورة البلشفية تماما ـ قد حطمت وهدمت كل شيء.. اما هذه الصرخة فهي تحفة ادبية كتبها هذا المؤرخ وهو يصف حال مصر للملك العجوز بيبي الثاني.. يقول له: ان الناس قد جاعت وماتت من الجوع. ولان الناس عاجزون عن دفن موتاهم فقد نشطت صناعة الدفن.. والعاجزون عن الدفن كانوا يلقون الجثث في النيل حتى اصبحت التماسيح ضخمة بسبب هذه الجثث.. ولم يعد يستورد خشب الارز من لبنان لصناعة التوابيت.. وهجم الناس على قبور الملوك.. وهجموا على طعام الخنازير فلم يعد احد يجد طعاما.. وانقلبت الاوضاع في المجتمع.. ولم يعد احد يضحك.. وحتى الأمهات لم يعدن ينجبن.. والمرأة التي كانت ترتدي الكتان تمشي ممزقة.. والتي كانت تملك المرايا لم تعد ترى وجهها الا على سطح الماء.. ولم يعد احد يحترم الكبير ولا العالم ولا رجل الدين ولا ابويه..
وكان الناس يقولون: يا ليتنا متنا قبل هذا.. وكان الاطفال يقولون: ولماذا اتوا بنا.. واللصوص صاروا اغنياء.. ولم يعد احد منهم في حاجة الى ان يتزوج.. ففي فراشه كثيرات من بنات العائلات الغنية من اجل الطعام والشراب والمأوى.. ولا احد يخاف من رجال الأمن ولا النبلاء ولا الكهنة ولا الاسر المالكة.. كلها لم يعد لها وجود.. انها تتواري او تهرب او تلقي بنفسها في النيل..
المصرى القديم
عرف الإعتصام والمظاهرات..
ربما كانت فكرة الإحتفال بعيد للعمال نشات منذ فترة بعيدة, والتي عملت بها بلدان شتي بعد ذلك , إلا أن العامل المصري عرف حقوقه وطالب بها منذ عهد الفراعنة, حيث عرف العمال بمصر القديمة الإعتراض والإعتصام والمظاهرات للمطالبة بحقوقهم.
أول مظاهرة فى تاريخ مصر
كانت أول مظاهرة في تاريخ العمال في مصر القديمة في قرية دير المدينة، الواقعة الآن غرب مدينة الأقصر، حيث عرف عمال مصر القديمة المظاهرات العمالية والفنية في عهد تشييد وتزيين المقابر.
وكانت أسباب ودوافع تلك المظاهرات لم تتغير حتي عصرنا الحالي، وإن كان الذي تغير هو أسلوب التظاهر والتعبير عن الغضب، وذلك وفقاً لما خلصت إليها دراسة الباحث الأثري أحمد صالح، التي أثبتت أن المظاهرات والاعتراضات سمة ارتبطت بالعامل المصري منذ قرون.
كان سكان دير المدينة من أمهر حرفيي وعمال مصر في أزهي عصورها, فقد كان يقطن بها الحجارين وقاطعي الأحجار بالإضافة إلي مصممي المقابر وأمهر الرسامين في العالم القديم, وكانوا ينقسمون إلي مجموعتي " أهل اليمين " و " أهل اليسار " وربما كان انقسامهم عائد الي طريقة عملهم في المقابر الملكية التي كانوا يعملون بها حيث يقسم العمل الي مجموعتين إحداهما تعمل يمين المقبرة والأخرى علي اليسار.
مظاهرات عمال دير المدينة
في الشهر السادس من عام 29 من حكم رمسيس الثالث, تظاهر العمال علي نقاط حراسة المقبرة ومن أمام أعين الحراس الموجودون وإعتصموا خلف معبد الملك تحتمس الثالث
وحاول مسئولو إدارة جبانة طيبة الغربية إقناع العمال المتظاهرين و إدخالهم داخل المعبد لمناقشة مطالبهم ولكن العمال المتظاهرين رفضوا.
في اليوم التالي دار العمال المتظاهرين حول السور المحيط بمعبد الرامسيوم ووصلوا الي السور الجنوبي, وجاء لهم الكاتب بنتاورت لكي يسكتهم وأعطاهم خمس وخمسين كعكة, إلا أن العمال جاءوا إلي معبد الرامسيوم ثانية وإعتصموا بعد جدالهم مع كهنة المعبد.
واستمر العمال المتظاهرون يعرضون مطالبهم في توفير المأكل والمشرب والملبس وطالبوا بعرضها علي فرعون مصر رمسيس الثالث او وزيره" تو", إلي أن طلب رئيس الشرطة منتومس من العمال المتظاهرين التجمع من أجل قيادتهم للإعتصام في معبد سيتي الأول بالقرنة.
حمل المشاعل
بعدها قررت الإدارة صرف نصف زكيبة قمح لكل واحد من العمال المتظاهرين كما أعطت لهم خمسين إناء بيرة, ولكن هذا لم يفي بحاجة العمال فلجئوا الي طريقة جديدة وهي المظاهرة والاعتصام في الليل باستخدام أسلوب جديد تعبيرا عن التظاهر والإحتجاج وهو حمل المشاعل.
وبعد محاولة رئيس الشرطة الجديد نب سمن مقابلة الوزير " تو" أثناء مروره بالأقصر من أجل عرض مطالب العمال المتظاهرين عليه, غير أنه لم يستطع سوي إيجاد حل مؤقت وهو صرف نصف اجر من المتأخر وطلب من الكاتب حوري توزيعه عليهم, قام العمال المتظاهرون بالاعتصام بمعبد الملك مرنبتاح.
مطالب العمال
وقد تركزت مطالب العمال في صرف الأجور المتأخرة, محاربة الفساد الذي تفشي بين رؤسائهم, إيصال صوتهم الي فرعون مصر ووزيره.
وتضمنت وسائلهم في التعبير عن مطالبهم في التجمع والتظاهر في أماكن العمل (المقبرة) والأماكن الدينية في أوقات النهار, الإضراب والتوقف عن العمل, الاعتصام نهارا بالإقامة في أماكن العمل او المعابد والاعتصام ليلا بالمبيت في الأماكن المذكورة او حمل المشاعل كوسيلة للتعبير عن الاحتجاج, عرض المطالب في إفادة مكتوبة او شفاهة.
نظام عمل المصري القديم
كان الشهر مقسماً إلي ثلاثة أسابيع كل أسبوع حوالي عشرة أيام وقامت الحكومة بتشغيل العمال ثمانية أيام في كل أسبوع و منحتهم راحة يومين مما يعني أن الراحات الأسبوعية في الشهر هي ستة أيام, وأثناء العمل كان العمال يتجمعون في معسكرات وبجوار منطقة العمل أي بجوار المعبد او المقبرة المراد تشييدها ولا يسمح لهم بالاتصال بذويهم إلا بعد إنتهاء أيام العمل للحفاظ علي سرية المبني الذين يقومون بتشييده.
الترتيب الوظيفي
وكان للعمال كبير هو المسئول عن كل مجموعة سواء في المقبرة أو المدينة, وكان يعينه الوزير ويقوم بتوزيع العمل علي العمال ويشرف علي توزيع الحصص التموينية " الأجور " ويساعده في عمله "نائب كبير العمال" ثم يأتي في المرتبة الثالثة " كاتب المقبرة " الذي كان يسجل العمل المنفذ في المقبرة الملكية ويسجل المتغيبين عن العمل ويوزع مواد و أدوات البناء من المستودعات الملكية.
مرتبات عمال دير المدينة
كان يحصل عمال دير المدينة علي أجورهم علي هيئة "حصص تموينية", وكان الأجر الأساسي للعامل يضم حصة تموينية شهرية بها القمح لعمل دقيق الخبز, وكان العامل يحصل علي اجر شهري يبلغ خمس زكائب ونصف من القمح شهريا والتي تعني أن نصيبه اليومي حوالي 10.6 كيلوجرام يوميا والشعير لتصنيع البيرة وسمك وخضراوات وماء وحطب للنار و آواني فخارية.
وكان هناك ما يسمي بـ "الأجر المتغير" أو الحافز نتيجة جهد زائد للعاملين وضم هذا الأجر المتغير البلح والكعك والبيرة الجاهزة, كما انه كانت هناك مكافئات وعلاوات لتشجيع العمل وتضم زيت السمسم وكتل ملح النطرون واللحم.
لم يكونو عبيداً
وقد عثر على مساكن وجبانات للعمال بجوار أهرامات الجيزه, أكدت أن العمال الذين بنوا أهرامات الجيزة لم يكونوا عبيداً أو يعملون بالسخرة، وكان غذائهم الرئيسى يعتمد على الخبز ومشروب الجعه (خبزمصنوع من الشعير يتم وضعه في الماء أو اللبن حتى يتخمر ويحتوى هذا المشروب على نسبه طبيعيه من المضادات الحيويه) ,بينما تذكر الاكتشافات الحديثة أن عدد العمال كان في حدود 20 ألف عامل فقط وأن غذائهم كان من اللحوم والأبقار التي يتم ذبحها يوميا.
وكانت مقابر العمال الأولى قد اكتشفت عام 1990, وقد أكد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار د. زاهي حواس أن من أهم مقابر العمال مقبرة لشخص يدعى (ايدو)، وهي عبارة عن بناء مستطيل الشكل به العديد من آبار الدفن التي كسيت من الحجر الجيري المحلي الموجود بالهضبة، كما كسيت جدران المقابر من الخارج بطبقة من الطوب التي طُليت باللون البيض، بالإضافة إلى وجود كوات تواجه كل وحدة منها بئرا للدفن لتسهيل دخول وخروج الروح من المتوفى القابع في هذه البئر حسب معتقدات قدماء المصريين.
كما أكد حواس أن عدد العمال الذين اشتركوا في بناء الهرم الأكبر بالذات لا يزيد عن 10 آلاف عامل.