صورة العلاقة الزوجية البشعة هذه، اوردها الكاتب حلمي الاسمر في مقدمة مقال له اكد فيه انها "حدثت في المجتمع الاردني"، وتضمنها سجل لاحد مراكز حقوق الانسان.
لا بل ان الكاتب زاد تفصيلا لا يقل بشاعة في الصورة التي اوردها، وهو ان هذا الرجل كان يتعمد ان يكون اغتصابه للزوجة على مرأى من الابناء.
ويبدو انه كان يقوم بذلك امعانا في التنكيل والاذلال للزوجة، ربما انتقاما منها لامتناعها عن اجابته الى الفراش لعذر او عدم رغبة، او لتشوه نفسي (سادي) لديه يجعله يستمتع بايلام الاخرين.
ويضيف ان هذه الواقعة "مثبتة في سجلات مأخوذة تحت القسم، وثمة في هذه السجلات قصص أقل منها عنفا وجبروتا".
وينتقد الكاتب في هذا السياق ما يعتبره، كما معظم الهيئات والمنظمات الحقوقية المحلية والدولية، تمييزا "يجيزه كل من القانون والعرف" بسكوتهما وربما اقرارهما بهذه الممارسة.
ويقول موضحا "على سبيل المثال لا يعاقب الرجل في حالات اغتصاب الزوجة، على اعتبار أنها من أملاكه الخاصة، ومعاقبة الأسرة للمرأة في حالات الاغتصاب، في حين أن الشخص المغتصِب يفلت عادةً من العقاب".
ويصل الى خلاصة طرحه بقوله "ويبدو أنه ليس في الشرع ما يمكن أن يسمى اغتصاب الزوجات، والسؤال هنا مطروح على علمائنا كي يفتوا في أمر من اعتاد على أخذ حقه من زوجته "غصبا" وقهرا دون مراعاة لمشاعرها وأحاسيسها".
ولا يعتبر الاغتصاب الزوجي جريمة في الأردن. وعلى الرغم من أنه يحق للنساء اللجوء للقانون في حالة الإساءات الجسدية التي يرتكبها الأزواج، إلا أن هذا الأمر في غاية الصعوبة في الممارسة العملية بسبب الضغوط الاجتماعية والثقافية.
على ان اكراه المرأة على المعاشرة الزوجية ظاهرة لا تقتصر على الاردن، فهي على ما يبدو منتشرة في المجتمع العربي عموما.
فمثلا يورد موقع "ديوان العرب" حكايات في المجتمع المصري تسلط الضوء على بشاعة ممارسات بعض الازواج والاساليب التي يتبعونها لاجبار زوجاتهم على المعاشرة.
ومن هذه الحكايات المأخوذة من محاضر المحاكم ما تقصه امرأة تقدمت بطلب طلاق من زوجها الذي عاشت معه سبع سنوات عاملها خلالها على انها مجرد "شئ" يمتلكه.
تقول هذه المرأة "فوجئت بزوجى يدخل البيت بعد عودته من عمله، وكنت وقتها فى البلكونة أقوم بنشر الغسيل. كنت مرهقة ومتعبة من أعمال المنزل من غسيل وتنظيف وطبخ. وفجأة وجدته يستدعينى إلى السرير".
وتتابع "حاولت أن أشرح له أننى مرهقة ولا أستطيع الممارسة فى هذا الوقت، فوجدته يقوم بشدى من ذراعى ولفها بطريقة عنيفة حول ظهرى ويدفعنى إلى غرفة النوم.. وبعد أن انتهى قام وكأن شيئا لم يكن ولم أشعر وقتها سوى بالقرف الشديد حتى أننى ذهبت إلى الحمام لأتقيأ".
وتصف هذه المرأة ما شعرت به بعد هذا الاذلال قائلة "أحسست بكرامتى المهدرة وأننى لم أعد بالنسبة له سوى مكان لتفريغ الشهوة دون اعتبار لمشاعرى".
امرأة اخرى تقول في محضر القضية التي رفعتها لطلب الطلاق "عاد زوجى إلى المنزل فى وقت متأخر من الليل، وكنت قد استغرقت فى النوم بعد يوم طويل من العمل الشاق فى المؤسسة التى أعمل بها، ثم فى المنزل بعد عودتى من العمل. دخل زوجى إلى غرفة النوم وأيقظنى من النوم ليطلب منى أن أتواصل معه".
وتضيف "قلت له إننى متعبة وأننى لا أستطيع التجاوب معه وأنا فى هذه الحال. لكنه أصر على أن هذا حقه الشرعى وتحجج بحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم معناه أن أى امرأة تبيت الليل وزوجها غير راض عنها يغضب عليها سبحانه وتعالى وتظل الملائكة تلعنها حتى صباح اليوم التالى".
وتتابع "قال إن هذا حقه وسيحصل عليه فى الوقت الذى يريده. وفعلا أجبرنى..ولأننى كنت مرهقة ومتعبة..لم أتجاوب معه فقام من السرير وهو غاضب وأخذ يسبنى ويشتمنى ويلعن اليوم الذى تزوجنى فيه.. ثم قام بضربى على وجهى بعد أن وصل به الغيظ إلى درجة لا يستطيع فيها التحكم فى أعصابه". وتنهي قائلة "لهذا فإننى أريد الطلاق منه، خصوصا بعد أن تكررت هذه العملية عدة مرات متفرقة خلال حياتنا الزوجية".
وتكشف تفاصيل قضية اخرى ما عانته امرأة مع زوجها الذي لم يكن يضربها لاجبارها على الفراش وانما لمجرد انه يجد لذة في ذلك، بمعنى انه صاحب شخصية "سادية" يمارس شذوذه متذرعا بما يراه حقا يمنحه له الشرع والعرف والقانون.
ثقافة الضرب ولعل ما يكشف اتساع القبول الاجتماعي لمسألة ضرب المرأة من قبل زوجها لاثبات هيمنته عليها، ما اظهرته دراسة اجراها برنامج شركاء الاعلام لصحة الاسرة في الاردن وبينت أن 81% من رجال ونساء الأردن يقبلون بضرب الزوج لزوجته.
واستفتت الدراسة التي كان هدفها معرفة التوجهات والممارسات الخاصة بصحة الأسرة في الأردن عام 2005، نساء ورجالا متزوجين وشبابا تتراوح أعمارهم (15 - 24).
وترى دراسة اصدرها "مركز الإعلاميات العربيات للدراسات والابحاث والاستشارات في الاردن" ان المجتمع الاردني يعتبر "ان من حق الزوج استخدام الضرب لتأديب زوجته، ولا يبحث العديد من الأشخاص في حق الزوجة بالعيش بأمان، فهي بمجتمعنا أداة لرفاه الرجل".
وتضيف الدراسة ان المجتمع يعتبر ان على المرأة "أن تعمل جاهدة لضمان راحته (الرجل) وتامين متطلباته، وليس في ذلك شيء إذا كان الرجل ينظر إليها بنفس الطريقة، أو إذا كان لها نفس الحقوق في الحياة، إلا أن الأعراف لا تنص على ذلك".
وتؤكد تقارير الطب الشرعي ان درجة الإصابة في بعض حالات الضرب التي تعرضت لها نساء على ايدي ازواجهن بلغت حد إحداث عاهات مستديمة.
هذا طبعا في الحالات التي وصلت الطب الشرعي والقضاء، على ان الخبراء يرون ان ما لا يصل القضاء هو اضعاف مضاعفة من الحالات التي لا تخرج من نطاق البيوت بفعل خوف المرأة من زوجها او نظرا للحساسية والخجل من كشف تفاصيل العلاقات الجنسية بينها وبين زوجها.
فهم اخر للشرع
وفي الوقت الذي يتذرع فيه الازواج بان الشرع بعد العرف يبيح لهم ممارساتهم ضد زوجاتهم، الا ان الاسلام في الحقيقة وضع آدابا واضحة لتحقيق الانسجام الزوجي في كافة تفاصيله، وخصوصا ما يتعلق منه بالمعاشرة.
يقول تعالى "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم". وهذه الآية الشريفة تدعو ضمنا الى عدم الاكراه عبر استباق المعاشرة بمقدمات تجعلها امرا مشتركا وليست من طرف واحد.
كما يوصى الرسول صلى الله عليه وسلم الرجال بتجنب اكراه زوجاتهم او ضربهن لاجبارهن على المعاشرة قائلا "لا يقعن أحدكم على أمرأته كما تقع البهيمة وليكن بينهما رسول. قيل وما الرسول يا رسول الله؟ قال: القبلة والكلام".
لكن على ما يبدو، فان هناك فهما مغلوطا وواسع النطاق للايات والاحاديث المتصلة بالعلاقة الزوجية، ويريد الكثيرون في المجتمع ان يبقى هذا الفهم هو السائد لاعتبارات اجتماعية يتم تغليبها على المقصد الشرعي.
ومما يطاله الفهم السطحي للاحاديث التي يرى بعض الرجال انها تمنحهم حقوقا مطلقة مع الزوجة تلك التي تحذر من عصيان الزوجة للزوج وامتناعها عن فراشه اذا ما طلبها اليه.
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح" وفي رواية أخرى "والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها".
والاخذون بهذه الاحاديث لا يتمون الحكمة منها، ويغيبون بقصد او دون قصد الاعذار التي يحل للمرأة خلالها الامتناع عن فراش الزوج، ومنها المرض والاجهاد المعيي والاعذار الشرعية الاخرى من حيض ونفاس.
ويؤكد الدكتور خالد المشيقح الأستاذ بجامعة القصيم في تصريحات لموقع "العربية نت" ان ممارسة العنف والإيذاء وضرب المرأة أثناء المعاشرة، مخالف للشريعة التي لم تبح الضرب إلا في حالة النشوز "وهو معصية المرأة لزوجها فيما يجب عليها". مشيرا إلى أنه حتى في حالة النشوز لم يبح الضرب إلا وفق ضوابط وشروط، وبعد استيفاء الموعظة والهجر معها.
وعما إذا كان تكرار طلب الزوج للعلاقة الخاصة مع زوجته يضر بها، بين المشيقح أن الشريعة الإسلامية دعت إلى حسن العشرة بين الزوجين، فإذا كان تكرار طلب الزوج يضر بالزوجة فان ذلك لا يجوز بناء على القاعدة الشرعية لاضرر ولاضرار, مبينا أن الأصل أن تلبي الزوجة رغبة زوجها دون أن يلحقها ضرر.
مشروع قانون
ويبدو ان اتساع ظاهرة تعسف الرجال في ما يعتبرونه حقا لهم من زوجاتهم بصرف النظر عن رغبتهن او حالاتهن النفسية والصحية، هو ما دفع باحد المشرعين المصريين الى تقديم مشروع قانون ينص على معاقبة الازواج الذين يقدمون على "اغتصاب زوجاتهم".
ومن المقرر ان يطرح مشروع القانون على مجلس الشعب الشهر المقبل.
والمشروع الذي سيقدمه عضو مجلس الشعب عمر زايد اعدته ماجدة عدلى مديرة مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي.
تقول ماجدة في تصريحات نشرتها مجلة "روز اليوسف" ان زوجات استطلعتهن دراسة قام بها المركز اكدن "أن أزواجهن يتحولون إلى وحوش أثناء العلاقة الزوجية ويأملن فى إصدار قانون لحمايتهن من التعرض للعنف الجنسى عدة مرات يوميا على فراش الزوجية".
وتوضح ان القانون المقدم ينص على "عقاب الزوج إذا أجبر زوجته على المعاشرة الزوجية على غير إرادتها مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تقل عن 1000 جنيه".
وتذكر ماجدة مادة في القانون تنص على تجريم "جميع أشكال العنف سواء البدنى أو النفسى أو الجنسى مثل الضرب والتهديد والقذف وحتى سب الزوج لزوجته فى الخلوة".
وتعطي مادة في مشروع القانون "الحق لكل من شاهد العنف والإساءة ضد الزوجة سواء كان أحد أفراد الأسرة أو الجيران فى تقديم بلاغ إلى قسم الشرطة المختص، وكذلك يعطى الحق للمراكز العلاجية لمثل تلك الحالات فى تقديم البلاغ".
وتتضمن باقى المواد كيفية إقامة الدعوى القضائية والأساليب الواجب اتخاذها لحماية الزوجية قبل رفع الدعوى القضائية، وتتمثل فى أخذ تعهد على الزوج بعدم التعرض لزوجته بأى إساءة سواء لفظية أو جسدية وذلك فى حالة تقديم الزوجة بلاغا فى قسم الشرطة.
وقد اثنى نواب في مجلس الشعب على مشروع القانون، لكنهم رأوا انه لم يوضح كيف يمكن إثبات هذه الحالات فعلا، فلا تستطيع هنا الاكتفاء بشهادة الزوجة خاصة إذا لم يوجد شهود كما فى حالة استخدام العنف فى الفراش، مما يعتبر عائقا لإصدار أحكام قضائية مبنية على شهود وإثباتات وأدلة واضحة.
وتوقع هؤلاء النواب ان يلاقي مشروع القانون معارضة من أنصار التيار الدينى والاعراف التى تقوم على أن للرجل كامل الحق بل الحق الأوحد فى جميع أمور المعاشرة الزوجية سواء فى تحديد وقت الممارسة أو طريقتها
تحياتي ليكم د- حسام السياني