b](11) قوله تعالى { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } إلى قوله { و كلوا و اشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود } (187)
أخرج الإمام البخاري عن البراء بن عازب قال : كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته و يومه حتى يمسي , و إن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما فلما حضرالإفطار أتى امرأته فقال لها : أعندك طعم ؟ قالت : لا , و لكن انطلق فأطلب لك و كان يومه يعمل فغلبته عيناه , فقالت : خيبة لك , فلما انتصف النهار : غشى عليه , فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية { أحلّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } ففرحوا بها فرحا شديدا . و نزلت { و كلوا و اشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود } .
الحديث : أعاده الإمام البخاري في كتاب التفسير مع تغيير في بعض السند و فيه تصريح أبي اسحاق بالسماع , و لفظ متنه : لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله , و كان رجال يخونون أنفسهم فأنزل الله تعالى { علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم } الآية .
وظاهرهما التغاير , لكن لا مانع من أن تكون نزلت في هؤلاء و هؤلاء .
ورواه أبو داود و النسائي و قد جمع حديثيى البخاري فعلمنا أن القضيتين معا كانتا سبب النزول , و رواه أحمد و الدارمي .
(12) قوله تعالى { من الفجر } (187)
أخرج الإمام البخاري عن سهل بن سعد قال : أنزلت { و كلوا و اشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود } و لم ينزل { من الفجر } فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض و الخيط الأسود و لم يزل يأكل حتى يتبين له رؤيتهما , فأنزل الله بعد { من الفجر } : فعلمنا أنهإنما يعني الليل و النهار .
و أخرجه مسلم أيضا .
(13) قوله تعالى { و أتوا البيوت من أبوابها } (189)
أخرج الإمام البخاري عن البراء قال : نزلت هذه الآية فينا : كانت الأنصار إذا حجوا فجاءوا و لم يدخلوا من قبل أبواب بيوتهم و لكن من ظهورها فجاء رجل من الأنصار فدخل من قبل بابه فكأنه عيّر بذلك , فنزلت { و ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها و لكن البر من اتقى و أتوا البيوت من أبوابها } .
و أخرج الحاكم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كانت قريش يدعون الحمس و كانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام , و كانت الأنصار و سائر العرب لا يدخلون من الأبواب في الإحرام , فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بستان فخرج من بابه و خرج معه قطية بن عامر الأنصاري , فقالوا : يا رسول الله إن قطية بن عامر رجل فاجر إنه خرج معك من بابه ؟ فقال " ما حملك على ذلك " قال : رأيتك فعلت ففعلت كما فعلت , فقال " إني أحمسي " . قال : إن ديني دينك , فأنزل الله عز وجل { ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها و لكن البر من اتقى و أتوا البيوت من أبوابها } .
(14) قوله تعالى { و أنفقوا في سبيل الله } (195)
أخرج الإمام البخاري عن حذيفة : { و أنفقوا في سبيل الله و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } .. قال : نزلت في النفقة .
* و أخرج الترمذي عن أسلم أبي عمران التجيبي , قال : كنا بمدينة الروم فأخرجوا إلينا صفا عظيما من الروم فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر . و على أهل مصر : عقبة بن عامر , و على الجماعة فضالة بن عبيد .. فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل عليهم , فصاح الناس و قالوا سبحان الله ! يلقي بيديه إلى التهلكة , فقام أبو أيوب الأنصاري فقال : يا أيها الناس إنكم لتأولون هذه الآية هذا التأويل , و إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لما أعز الله الإسلام و كثر ناصروه , فقال بعضنا لبعض سرا دون رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن أموالنا قد ضاعت و إن الله قد أعز الإسلام و كثر ناصروه فلم أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها , فأنزل الله تبارك و تعالى على نبيه صلى الله عليه و سلم يرد علينا ما قلنا { و أنفقوا في سبيل الله و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } .
فكانت التهلكة : الإقامة على الأموال و إصلاحها و ترك الغزو , فما زال أبو أيوب شاخصا في سبيل الله حتى دفن بأرض الروم .
* و أخرج الطبراني في الكبير عن أبي جبيرة بن الضحاك , قال : كان الأنصار يتصدقون و يعطون ما شاء الله فأصابتهم سنة فأمسكوا فأنزل الله : { و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة }
هذا حديث صحيح إن ثبتت صحبة أبي جبيرة , و سيأتي الكلام عليه في (سورة الحجرات) إن شاء الله .
* و عن النعمان بن بشير في قوله { و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } قال : كان الرجل يذنب فيقول : لا يغفر الله لي فأنزل الله تعالى : { و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة و أحسنوا إن الله يحب المحسنين } .
رواه الطبراني في الكبير و الأوسط و رجالهما رجال الصحيح .ا.هـ.
* و في الفتح من حديث البراء نحوه , قال الحافظ ( 9\251) : و سنده صحيح , ثم قال : و الأول أظهر ( أي حديث حذيفة السابق) لتصدير الآية بذكر النفقة فهو المعتمد في نزولها ا.هـ.
وأقول : لا داعي لإلغاء الروايتين : أعني : رواية البراء و النعمان مع صحتهما , فالآية : تشمل من ترك الجهاد و بخل , و تشمل من أذنب و ظن أن الله لا يغفر له و لا مانع من أن تكون الآية نزلت في الجميع . و الله أعلم .
(15) قوله تعالى { و أتموا الحج و العمرة لله } (196)
قال الطبراني كما في ( مجمع البحرين من زوائد المعجمين ) (مخطوط) :
حدثنا أحمد حدثنا محمد بن سابق , ثنا ابراهيم بن طهمان , عن أبي الزبير . عن عطاء بن رباح , عن صفوان بن يعلي بن أمية , عن أبيه قال : جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم و قال : كيف تأمرني يا رسول الله في عمرتي ؟ فأنزل الله عز وجل { و أتموا الحج و العمرة لله } , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من السائل عن العمرة " , فقال : أنا , فقال " ألق ثيابك و اغتسل و استنشق ما استطعت و ما كنت صانعا في حجتك فاصنع في عمرتك " .
قلت : هذا في الصحيح سوى قوله { و أتموا الحج و العمرة } ا.هـ .