بسم الله الرحمن الرحيم
خطوط عريضة للسياسة الاقتصادية في الإسلام
يعيش العالم الإسلامي بمجموعه أسوأ أوضاع اقتصادية، ويعود ذلك إلى طبيعة النظام الاقتصادي الذي يتحكم في العباد والذي يباشر حكام المسلمين تطبيقه بالغلبة والقهر واللف والدوران تنفيذاً لوجهة نظر المستعمر من فرض السياسة الاقتصادية التي يريدها حتى يبقى هذا العالم الإسلامي تحت سيطرته ونفوذه وهيمنته، وحتى تربط أمريكا ومثيلاتها من دول الاستعمار العالم الإسلامي بعجلتها وتبقيه سوقاً لبضاعتها وأطماعها، أوجدت ما يسمى بالرأي العام عن التخطيط الاقتصادي وعن التنمية الاقتصادية، وروّجت لأفكار زيادة الإنتاج الأهلي وغيره من أفكار اشتراكية الدولة أو العدالة الاجتماعية، كما روّجت للكتب التي يصدرها الغرب عن الاقتصاد والتنمية الاقتصادية بغية جعل المسلمين يعتقدون أنه لا بد لهم من السير في مراحل حتى يصلوا إلى مرحلة التقدم الصناعي وغيره. إن أفكار زيادة الدخل الأهلي وجعلها أساساً للنظام الاقتصادي خطأ، وإن أفكار اشتراكية الدولة أو الاشتراكية الحقيقية خطأ ومخالف للواقع، كما أن أفكار العدالة الاجتماعية ظلم وإطالة لعمر النظام الرأسمالي.
إن السياسة الاقتصادية الثابتة لأي بلد مثل العالم الإسلامي إنما تنبثق عن الفكرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة.. والبلاد الإسلامية لا يجديها رسم سياسة اقتصادية غير ثابتة، ولا يجديها رسم سياسة اقتصادية منبثقة عن غير الإسلام، بل لا بد أن تكون سياستها الاقتصادية مبنية على أساس العقيدة الإسلامية (بمعنى أن تكون السياسة الاقتصادية للعالم الإسلامي أحكاماً شرعية مستنبطة من الكتاب والسنّة أو مما يرشد إليهما الكتاب والسنّة).
والأساس في سياسة الاقتصاد في الإسلام تقوم على النظرة إلى أربعة أمور هي:
1- النظرة إلى كل فرد بعينه فهو فردي في إشباع الحاجات.
2- النظرة إلى إشباع الجوعات الأساسية إشباعاً كلياً حتى تُحفظ حياة كل فرد.
3- النظرة إلى إباحة السعي للرزق والمساواة في الإباحة بين جميع أفراد الرعية وذلك لإفساح الطريق أمام كل منهم يأخذ من الثروة ما يشاء ليسير الناس نحو الرفاهية.
4- النظرة إلى سيادة القيم الرفيعة على العلاقات القائمة بين الأفراد جميعاً. ومن هنا كانت سياسة الاقتصاد في الإسلام هي لمعالجة المشاكل الأساسية لكل فرد باعتباره إنساناً وتمكين كل فرد من رفع مستوى عيشه وتحقيق الرفاهية لنفسه باعتباره فرداً. فتعطي لكل فرد إمكانية الوصول إلى الرفاهية ويُترك له أن يأخذ من هذه الرفاهية بالفعل النصيب الذي يشاء.
فسياسة الاقتصاد في الإسلام هي بجعل القيم الرفيعة تسيطر على العلاقات القائمة بين الأفراد. وعلى هذا فإن سياسة الاقتصاد التي يجب أن توضع للعالم الإسلامي ليست زيادة الدخل الأهلي أو إيجاد ما يسمى بالعدالة الاجتماعية أو اشتراكية الدولة، وإنما سياساتها يجب أن تكون ضمان توزيع ثروة البلاد الداخلية والخارجية على جميع أفراد الأمّة بحيث يُضمن إشباع جميع الحاجات الأساسية لجميع أفراد الرعية إشباعاً كلياً، ويُضمن تمكين كل فرد منهم من إشباع جميع حاجاته الكمالية على أكبر قدر مستطاع.
غير أنه لما كان توزيع الثروة يعني بيان كيفية حيازتها من مصادرها، فإن تنمية الثروة تأتي طبيعياً من هذه الكيفية للحيازة، فإن الكيفية التي تجري فيها حيازة الأرض مثلاً تؤدي طبيعياً إلى استغلالها وزيادة إنتاجها، وبناء على هذا فإن معالجة موضوع الاقتصاد في البلاد الإسلامية تكون على قسمين منفصلين عن بعضهما ولا علاقة لأحدهما بالآخر. أحدهما: السياسة الاقتصادية، وثانيهما: زيادة الثروة (التنمية الاقتصادية).
أمّا السياسة الاقتصادية فإن معالجتها تكون في أمرين:
1- الخطوط العريضة لمصادر الاقتصاد،
2- الخطوط العريضة لضمان الحاجات الأساسية. وأمّا معالجة زيادة الثروة فإنها موضوع آخر وهي لتكثير الثروة وليست لمعالجة الإنسان فتختلف من بلد لآخر، وتعالَج في بلاد الإسلام على أساس إيجاد زيادة في الإنتاج الزراعي مقترنة بثورة في الإنتاج الصناعي حتى تصبح الصناعة رأس الحربة في النمو الاقتصادي، وهذا يعالَج في أربعة أبحاث هي:
1- السياسة الزراعية، 2- السياسة الصناعية، 3- تمويل المشاريع، 4- إيجاد أسواق خارجية.
1- السياسة الزراعية: وهي تقوم في الأصل على زيادة الإنتاج الزراعي وتسلك عادة طريقين: أحدهما: طريق التعميق بأن تجري المحاولات لزيادة إنتاج الأرض، وثانيهما: طريق التوسيع بأن تزداد المساحات التي تزرع. أ- أمّا التعميق فيحصل بانتشار الأساليب الحديثة بين المزارعين وباستعمال المواد الكيماوية، والعناية بتوفير البذار وتحسينه، وتعطي الدول المال اللازم للعاجزين هبة وليس قرضاً من أجل شراء ما يلزمهم من آلات وبذار ومواد كيماوية لزيادة الإنتاج، ثم تشجع القادرين على شراء ذلك تشجيعاً مؤثراً. ب- وأمّا التوسيع فيحصل بتشجيع إحياء الأرض الموات وتحجيرها، بإقطاع الدولة أراضٍ للقادرين على الزراعة ممن لا يملكون أرضاً أو ممن يملكون مساحات قليلة وذلك مما تحت يدها من الأراضي. وبأخذ الأرض مجبراً وعلى الفور مِن كل مَن يُهمل أرضه ثلاث سنوات متتالية. وبهذين الأمرين: التعميق والتوسيع تحصل زيادة الإنتاج الزراعي ويتحقق الأصل في السياسة الزراعية.
غير أن هناك أموراً فرعية في السياسة الزراعية تأتي بعد زيادة الإنتاج ألا وهي نوعية الإنتاج وإلى جانب هذا أيضاً تقوم سياسة زيادة الثروة فيها على أساس التقدم المادي بالقيام بثورة صناعية إلى جانب الثورة الزراعية على شرط أن تكون الصناعة هي رأس الحربة في التقدم. ولهذا كله لا بد أن تكون السياسة الزراعية مستهدِفة زيادة الإنتاج في ثلاثة أمور هي: