اليوم الذي تبادلت فيه الأرض والسماء مكانيهما

فلسطينية تجلس فوق الدمار الذي أحدثه القصف الإسرائيلي في غزة

اليوم الذي تبادلت فيه الأرض والسماء مكانيهما 192086

هولوكوست غزة

جنيفر لويونشتاين

حوالي الساعة العاشرة والنصف مساء، ليلة الثامن والعشرين من شباط، كان "م" وزوجته "س" يتحدثان بصوت خفيض في ظلام الغرفة المضاءة بخفوت بمصباح يعمل بالبطاريات. كانا يحاولان تقرير إذا ما كان مايزال إرسال أطفالهما إلى المدرسة آمناً، وذهبا إلى تفضيل ذهابهم لأن مبنى المدرسة الابتدائية يقع في أكثر المناطق أمناً في المدينة إلى جانب عدد من المكاتب الدولية. كانت الكهرباء في بنايتهم قد انقطعت منذ عشر ساعات بحلول ذلك الوقت، ولف الزوجان أغطيتهما حول جسديهما جلباً للدفء والاحتماء من هواء الشتاء الرطب. ويقطن الزوجان شقة في الطابق السادس من برج "الشفاء"، وهو مجمع شقق من أحد عشر طابقاً يأوي أكثر من مائة عائلة.

عندما حدث الانفجار الذي مزق بناية وزارة الداخلية عبر الشارع، لم يكن هناك وقت للتفكير بما ينبغي عمله. طار "م" إلى غرفة نوم الأطفال وألقى بنفسه على جسد ابنه النائم "باسل"، ليحمي جسم الطفل الصغير من شظايا الزجاج التي تناثرت من النافذة إلى جوار سريره. ثم، بعد ثوان، تم أخذ الأولاد، بنتين وصبي، إلى المطبخ الذي لا نوافذ له، وقد استيقظوا الآن جميعاً وشرعوا في الصراخ من الرعب. ألقى "م" بالوسائد والبطانيات حولهم حيث يمكن لهم قضاء الليلة المقلقة المليئة بالكوابيس المرعبة، بينما جهشت أمهم ببكاء صامت وهي تحدق في وجوههم الصغيرة.
عاد "م" إلى غرفة الأولاد في الوقت الذي حدث فيه الانفجار التالي الذي يصم الآذان، والذي جعله يرفع ذراعيه إلى الأعلى بشكل غريزي. وعندما أنزل يديه، ونظر عبر النافذة إلى السماء الليلية، وجدها كلها بنية اللون. كان الغبار المتصاعد من البنايات المدمرة يتلولب صاعداً إلى الأعلى خارج نافذة غرفة النوم، ولم تقع عيناه سوى على الركام المتطاير والدخان وجدار من القاذورات. لم يستطع أن يسمع جيداً لبعض الوقت، وإنما كان ينظر شبه مخدور، مأخوذاً بالصمت الذي حل بعد الضربات الجوية.
في الصباح، لم يخرج أحد إلى الشوارع. وكتب "م": "هذا يوم أسود في غزة. هولوكوست، كما قال ميتان فيلناي (نائب وزير الدفاع الإسرائيلي). ثمة هجوم يشن كل خمس إلى عشر دقائق. وذلك يبقي على أعصابنا مستنفرة وحواسنا متحفزة. ثمة الكثير من الغضب مما يحدث؛ خاصة مشاهد الأطفال والرضع القتلى. وأنا منشغل البال جداً ولا أعرف كيف أصف مشاعري. إنني أعمل على محاولة تعطيل مشاعري لأن ما يحدث الآن هو أكثر مما يمكن احتماله".

أنظر بينما يندفع "أ"، الجندي في حماس، طلباً لإنقاذ حياته داخلاً منزله. وعندما يخطئه رصاص مطارديه، يطلقون ثلاثة صواريخ إلى منزله على حافة مخيم جباليا، ويقتلون كل من في الداخل (أربعة من أفراد العائلة). وهم غاضبون الآن بحيث ينال كل بيت يصادفونه في الطريق نفس المعاملة، حتى من دون وجود "مسلحين" يحددون حركتهم التالية. ويتحدث شاهدو العيان عن هذا وأسوأ: الجسد الصغير لرضيعة في شهرها السادس من العمر يصبح أشلاء مع أمها وشقيقها. وطفلة صغيرة أخرى مزقتها القذائف، وتصيح بأنها لا تريد الموت، فقط قبل أن تغادر هذا العالم. والأمهات والآباء لا يستطيعون حمايتهم، فيفزعون إلى العويل والصراخ في الجنازات التي لا يشاهدها هذا الجزء من العالم (الغرب) خاصة في موسم مباريات كرة السلة.

من الذي يلقي بالاً حقاً إلى هؤلاء الأطفال؟ إن كل فلسطين متشدد لأن الجميع يريدون (عاجلاً أو آجلاً) أن تخرج إسرائيل من أرضهم، من حيواتهم، وتصبح منسية مثل كابوس مرعب. لهذا السبب بالذات يصبحون جميعاً أهدافاً متساوية: إذ ليس فيهم من هو ذكي بما يكفي ليفهم أن أرضه ليست أرضه، وحياته ليست له، وحلمه الرهيب هو حاضره ومستقبله. فلا تخالطنك الشفقة على أولئك الذين لا يفهمون.

الضربات الليلية من طائرات إف-16 وصواريخ الطائرات العمودية استمرت طوال ساعات نهار يوم الجمعة، التاسع والعشرين من شباط، وامتدت إلى أول عطلة نهاية أسبوع من آذار، غير متوقفة بشراستها وقتلها الانتقامي الأعمى لمقتل طالب إسرائيلي في وقت مبكر من الأسبوع السابق في كلية سابير خارج سديروت. ومقابل كل حياة إسرائيلية واحدة، ينبغي أن يموت عشرات الفلسطينيين. وليساعدنا الله الآن بعد أن قتل جنديان إسرائيليان كانا يقاتلان على الأرض المحتلة، ضد عبيد بلا إرادة، قاتلين الأبرياء للإبقاء على ديمومة اضطهاد بطول 60 عاماً. فعانقي نفسك يا غزة وانطوي على جراحاتك، لأنك ستدفعين غالياً ثمن استمرار هذه الجريمة.

دعونا لا نطيل التأمل فيما يعنيه كل ذلك. كيف يمكن لطالب في كلية سابير في السابعة والأربعين من عمره، على سبيل المثال، أن يعرف أن موته كان أكثر فائدة بكثير لدولته من حياته؟ لأنه بموته أضاف مسوّغاً آخر لممارسة القتل الجماعي للعرب، تلك الكائنات الدنيا التي تغلق مشهد البحر الذي كان ليكون أكثر جمالاً في جنوب غرب "أرض الميعاد". لقد تحدى قواعد إسرائيل للاشتباك: فكرة "إننا نقتل وأنت تموت" في الحرب، وهي النمط الوحيد المباح من جانب "سادة اليهود الجدد" وحلفائهم في الولايات المتحدة الذين لا يتوافرون على أي نية لإقامة سلام عادل مع مستوى أدنى من الحياة في وسطهم. ويظل المطلب المتظاهر بالصلاح بإيقاف إطلاق صواريخ القسام مجرد كذبة مفتعلة تهدف إلى جعلك تنسى أن صواريخ القسام إنما تقدم عذراً "مجنوناً للقبض على المزيد من غزة وتحويل أجزاء أكبر منها إلى خرائب؛ وأن القسام ليست سوى نتيجة للتعذيب الدولي المنهجي المثير للشفقة، وولدت هي نفسها من رحم الاحتلال، ونجمت عنه، وتم تطويرها خلال حقب الحصار والسادية والقتل الجماعي.

يتطلب السلام التخلي عن الهيمنة الإقليمية. والسلام يتطلب تقاسم الأرض والمصادر بالتساوي. والسلام يتطلب، لا سمح الله، صنع قرار ديمقراطي في المنطقة، حيث الإسرائيليون ليسوا أفضل، ولا أكثر تأهيلاً، ولا أكثر استحقاقاً للتصرف "بطريقتهم" من أي طرف آخر في الجوار. حسناً، عذراً، لكن هذه المتطلبات ليست على الأجندة الإسرائيلية. ذلك أن حلم قادة طالب سديروت الذي بلا حول في أرض أحلام نقية يبدون ممتنين لموته: فالآن، يمكن لألسنة نار عدم التسامح أن تستعر محمومة. وإلى هذه النار سيتم القذف بأجساد كل رجل وامرأة وطفل يقتل في غزة، مثل الكتب، لإتمام الطقس، والأضحية المحترقة، لأولئك الذين لإسرائيليات العصر الحديث بيوم صهيون المعاصر: في خلق الضحية المقدسة، سوف نحكم القمة.
لا شك في أن هذا سوف يرضي وزير الداخلية مئير شتريت، الذي تبجح بأن الأمر لو كان يعود له، لكان ينبغي للجنود الذين يذهبون إلى غزة أن يطلقوا النار على "كل شيء يتحرك"، مثل الأطفال الرضع، وأولئك الذين يخطون خطواتهم الأولى المتعثرة، والأجداد والأمهات؛ أشجار البرتقال والحمير السائبة التي تجر حمل العربات من الخضار المتعفنة؛ مثل الأزهار وطيور البحر؛ والدجاج والأغنام، والفئران والصراصير. سياسة "الأرض المحروقة"، عبارة تلخص المطلوب: سوف يصنعون برية موحشة غادرتها الحياة، وسوف يسمونها: سلام.

لم يكن أحد بحاجة لشتريت حتى يسبغ المشروعية على استراتيجية تخليق النسيان من بطن الجحيم. أولئك "الدونيون" الذين يمكن حرمانهم من الطعام، والماء، والوقود، والكهرباء، والإمدادات الطبية، والحق في مغادرة البيوت والعودة إليها، والحق في عدم الموت في سيارة إسعاف لا تمتلك الإذن المناسب؛ الحق في أرضهم ومواطنيتهم ودولتهم، خاصة وأنهم كائنات أقل بشرية، يمكن لهؤلاء أيضاً أن يتم اصطيادهم، واحداً واحداً، أو في جماعات أو عائلات، أو، لأنهم "متشددون"، أو كل ذلك، والذين لا يستحقون استماعاً عادلاً لأصواتهم، ولا صوراً، ولا أسماء، ولا عناوين صحف، ولا قصصاً في الأخبار، ولا حزناً يعرض على شاشات التلفزة الجنازات التي تستدر الدموع لتخليد ذكرى تضحياتهم. لأن في مثل عالمية هذه السياقات إهانة لذكاء صناع السياسة.

التماس في إثر التماس من منظمات حقوق الإنسان، من المنظمات القانونية، من قادة المحافل الدينية، من منظمات رعاية الطفل، ومشاريع المساعدات الطبية، وجمعيات إغاثة اللاجئين، والوكالات الإنسانية الدولية، والشخصيات، ورجال البرلمانات، ومحللي السياسة الخارجية وعدد آخر لا حصر له، وكلها التماسات لا يقرأها أحد ولا يسمعها، ناهيك عن إعارتها الانتباه، لأنها مضيعة لوقت المرء فحسب. هل هناك من سبب يجعل مذبحة غزة تستمر أمام أعيننا نفسها من دون وجود لاعب، دولة أو غير دولة، يمتلك القوة الكافية لإحداث فرق، والذي يرغب تجشم عناء التدخل؟ إنه عارنا، لأن إسرائيل وسيدها الأميركي قد أقاموا منذ أمد طويل في أدنى دائرة من الجحيم لأنهم خانوا معنى الإنسانية.

• جنيفر لويونشتاين Jennifer Loewenstein، المدير المشارك في برنامج الدراسات الشرقية في جامعة ويسكنسون - ماديسون. وهي عضو في مجلس التحالف الإسرائيلي ضد هدف المنازل - فرع الولايات المتحدة، ومؤسسة توأمة مدينتي رفح وماديسون، وصحافية حرة.
كاونتربنتش

أصدر المولى بيانه أين أنت يا فلانة؟

افتحوا ديوانها وانظروا في كل خانة

موقف صعب رهيب أسأل الله الإعانة

حين أدنو من إلهي دون ستر أو بطانة

يحاكيني جهارا كيف أديت الأمانة

من يجيب الله عني؟ من سيعطيني لسانه

* منقووووووول*

بارك الله فيك اخي الجنرال

وتقبل الله منك هذا التحليل العميق

والقراءة الدقيقة التي طالما

عهدناك بها حتى قبل أن تكتب لإسلام أونلاين.نت.

جزاكم الله خيرا وأدعو الجميع للقراءة المتأنية.