كيف مات الحطيئة ؟
الحطيئة واسمه جرول ابن أوس مالك ويكنى بأبي ملكية وهو من فحول الشعراء .
في زمن الحطيئة لم يسلم أحد من لسانه وهجائه حتى قيل أنه هجا نفسه وهجا أمه وزوجته وكانت أغلب القبائل العربية تهابة وتهبه المنح والعطايا خوفأً من هجائه فقد كان متين الشعر شرود القافية . يصفه الأصمعي بقولة: كان الحطيئة جشعاً سؤولاً ملحاحاً دنيء النفس كثير الشر قليل الخير بخيلاً قبيح المنظر رث الهيئة فاسد الدين بذيئاً هجاءً إلى درجة أنه هجا نفسه بقوله :
أبـــت شـفـتـاي الـيــوم إلا تكـلـمـا بـشـر فـمـا أدري لـمـن أنــا قـائـلـه
أرى لي اليوم وجهاً قبح الله شكله فقـبـح مــن وجـــه وقـبــح حـامـلـه
وأذكر هنا قصة موته لطرافتها كما نقلتها لنا كتب التاريخ
كيف مات الحطيئه ؟
إذا كان ما ذكره المؤرخون عن كيفية وفاة الحطيئة صحيحاً فتعتبر هذه الوفاة من أندر أنواع الوفيات لطرافتها يقول الرواة لما حضرت الحطيئة الوفاة أجتمع أصحابه إليه وطلبوا منه أن يوصي قبل وفاته فقال لهم : ويل للشعر من راوية السوء .
قال له أحد أصحابه : أوص يا حطيئه رحمك الله .
قال : أوصيكم بأن تبلغوا قبيلة غطفان بأن الشماخ هم أشعر العرب لقولة :
إذا أنبض الرامون عنها ترنمتم ترنم ثكلـى أوجعتهـا الجنائـز
قال له : أوص بما ينفعك
قال : أوصيكم بأن تبلغوا أهل ضابيء أن شاعرهم ضابيء هم أشعر العرب لقوله :
لكـل جديـد لـذة غيـر أننـي رأيت جديد الموت غير جديد
قالوا له : ويحك يا حطيئة أوص بما ينفعك في آخرتك .
قال : أوصيكم بأن تبلغوا أهل امرىء القيس أنه أشعر العرب لقوله :
فيالك مـن ليـل كـأن نجومـه بكل مغار الفتل شدت بيذيل
فضحك القوم من تصرفه هذا رغم مشاهدتهم له يحتضر على فراش الموت .
فقال له أحدهم : اتق الله ودع عنك هذا وأوص .
قال : أوصيكم أن تبلغوا الأنصار أن صاحبهم أشعر العرب لأنه القائل :
يغشـون حتـى ماتهـر كلابهـم لا يسألون عن السواد المقبل
قال له صاحبه وكأنه قد مل من تصرف الحطيئه : والله هذا لا يغني عنك شيئاً يا حطيئة فاتق الله وقل غير هذا .
فالتفت الحطيئه إليهم وقال :
الشعر صعب وطويل سلمـه إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه
زلت به إلى الحضيض قدمـه يـريــد أن يـعـربـه فيـعـجـمـه
حين رأوا أن لا فائدة من نصحه وأنحسر الجد من مجلسهم سأله أحدهم :
...-من أشعر الناس ياأبا مليكة ؟
قال مشيراً إلى فمه هذا الجحير إذا طمح في خير
وسأله آخر قائلاً : يا حطيئة بماذا توصي الفقراء ؟
قال : أوصيهم بالإلحاح في المسألة فإنها تجارة لا تبور .
فسأله مرةً أخرى : وبماذا توصي لليتامى ؟
قال : كلوا أموالهم وأنكحوا أمهاتهم .
حين شعر القوم أن لا فائدة من نصحه قرروا الانصراف عنه فسألوه قبل خروجهم : هل تريد منا شيئاً قبل انصارفنا ؟
قال : نعم – تحملونني على بغل وتتركونني راكبها حتى أموت فإن الكريم لا يموت على فراشة والبغل مركب لم يمت عليه كريم قط .
هنا أحضر أصحابه بغلاً وحملوه عليه وجعلوا يذهبون به ويجيئون حتى مات وكان آخر ما قاله قبل أن يلفظ أنفاسه :
لا أحـد ألأم مـن حطيئة هجا بنيـه وهجـا المريـه
من لؤمه مات على فريه
هذا ما ذكره الأصبهاني في كتابه الأغاني .