الشاعر سومر عبد اللطيف:كل وطن لا يسكنه الشعر الأحرى به أن يسافر إلى أناس غير أناسه
الوحدة
الخميس11/3/2010
بسام نوفل هيفا
في اشعاره سفرٌ عبر آفاق التصوف , وتحليقا في اجوائه 0 0 قصائده رقيقة 00 كسماء زرقاء تسبح فيها غيوم خفيفة , وجبال مقطوعاته الشعرية تكتسي درر الكلم , بينما تبدو الشمس وهي ترسل من جنباتها شعاع حروفها لتنفض عند الفجر عتمة الليل عنها 00
شاعر موهوب برؤية صافية لنفسه ذات عمق فلسفي وبعد معرفي , وهي لاتستبعد في الوقت نفسه وجود
كياسه معينة , ولباقة متأصلة 00
إنّه الشاعر سومر عبد اللطيف ضيف حوارنا هذا :
لتراسل الحواس في شعرك موقع وقد خدم المعنى , وقوى التعبير , متى يحقق الشاعر ذلك ؟
بداية , ام نهاية , لست ادري لعلّي مسكون بعجلة السؤال التي تطوي مسافات الاجوبة بلمح الشعر حتى كأن حواس الشاعر الوان طيف تتماهى متمحورة كل ما حولها لتتبرج نصاعة بين مطلقها ومقيد الكلمة , حيث نرى بأذن ونسمع بعين , فليس ثمّة ثبات وظيفي لحواس عضوية لايعرفها الشعر 0
ماذا عن الخيمة الصوفية واوتادها المسافرة في اعماق البعد المعرفي والشعري لديك ؟
قبل ان أتكلم عن الخيمة الصوفية سأغزل كلاما على نول خيوطها , انا اقول : ان مادة الكلام , مادة صوفية , حتى قبل ولادة فكرة التصوف ذاتها , حيث انّي لا أرى الحروف العربية الا ملائكة يسبحون في ملكوت العقل الازلي , حتى اذا انفجر ينبوع اللسان رقراقا في عوالم الانسان قامت على ضفافه ممالك تسمّت كلّ منها بما اشتهرت من زراعات لفظية كالصوفية وغيرها حتى اذا تركنا للفطرة او السليقة مجال الانعتاق من ذاتها , رأت خلف صور الكلمات صورتها في عهدها الاول من الجمال , حيث اهل الخيمة تلك لم يزالوا في تخلق ما قبل التصوير ( خلقناكم ثم صورناكم ) وهكذا ارى الكلمة هي الخيمة ذات الاوتاد التي تشد اليها امراس الجهات , فمن لم يقطن الخيمة , فليتق بيده العزلاء شمس الصحراء 0
اذاً لك منظومة خاصة ومتمايزة عن غيرك من الشعراء , هذا ما نقرأه ونسمعه من خلال اشعارك في الاتجاه الصوفي والحقل العرفاني , لوحدثتنا قليلا في مضمون ذلك ؟
باختصار : بين رائحة العطر وثوب العطار علاقة طالما وطّدتها يداه وهو لا يشعر بذلك 0
لابداعك الشعري كشف وسبر رؤى ومعرفة , متى تكون الحياة كشفا دائما للاديب المبدع ؟
ليس في الحياة ما يعطل حركة الرسم بالرمح ولو على جدار قلب متصّدع , فمثلا السجن اطباقه على كثير من الشعراء كان مصدر اشعاع للحرية , والجوع الذي اشبعتنا يدا روّاده من خبز المعرفة , كذلك البرد الذي اوقدت ارتعاشات اقلامه شموسا تذيب على قلوبنا جليد اوراقه 0 اذاً لعلّ سرّ القلم في المبراة , فما اكثر الذين يحملون ( فانتازيا ) اوراقهم وجمر زجاجاتهم ودخان سجائرهم الى البحر زاعمين انهم متى انتجعوا في شواطىء انسه غاصوا في اعماق حسّه ليعود بهم الليل وهم زوارق متحطّمة على صخور الانتظار , اجل هناك البحر ولكن الشاعر من يحضره اليه حيث يزجي بريشته سحائب الاسود ( الحبر ) الحالمة فوق محيط دواته المتأججة , هناك تكون ذات المبدع في كشف دائم يزيد المعمّى امتدادا بين عين المسافة ومرآة الذات 0
عندما يمتلك الشاعر ادواته ويشعل قدراته الادبية 00 يستطيع ان يعانق شكل العمل وروحه , متى ترى نفسك في عناق ذلك ؟ومتى لا ؟
لاشك عندي في انوثة القصيدة , رغم انّها خلعت جسدها خلف عيوننا حين ارتدت المطلق مما اوجب علينا ان نرتدي لها نحن اجسادا اثيرية جديدة تجعل من ذاك العناق حميماً ابدا 00 وممّا يهيج الاشواق لهذا العناق في زمان فقدت او تكاد ( عذرية اللفظ وقيسية الروح ) فقدت الصدق مع الذات عند قراءتنا او استقراءنا للعالم اولا من حولنا وثانيا في داخلنا , علماً ان الثانية لاتتحقق كما ينبغي الاّ في صفاء شاعري يغني صاحبه عن الاولى , حتى اذ اطبق حواسه رأى اقمار ليله ونجومه تتلألأ في بركتين صافيتين اسمتهما الرؤية ( عينين ) هما عند الشاعر اكثر تبصّراً عند اغماضهما ( يرددان مع ابي العلاء ليلته الزنجية بكل انوارها ) او اذنين يسمع إقفالهما أصوات التماثيل ( تردد مع البحتري بعض سينيته بلسان حجري فصيح ) فبين ثقابة عين المعري ورهافة تماثيل البحتري هناك ارى عالم الكلمات والارواح تذوب بين تماهيه ازرعة العناق 0
الانسان لايستطيع ان يكتمل - ولن يكتمل - الا باكتمال فضائل السماء والارض التي وهبت له وعندما تتعانق كليته مع كلّية الكون اللتان تشكلان كلا واحدا , في ضوء ما تقدم كيف يصّور لنا الشاعر سومر عبد اللطيف ذلك ؟
كأنّي ارى في وجه السؤال ملامح الجواب 0 إنّ اكتمال الفضائل السماوية والارضية بأرقى حللها هو الانسان , حيث ان الصورة الآدمية , هي صورة شعرية بالنسبة لكون هو بمثابة مفكر بارع , فلطالما اعتلجت في نفس الطبيعة الهائمة احاسيس الانسنة الحالمة , حيث الارواح تخفق في فضاء فسيح تكاد عيون شموسنا المنكسرة في سماء الامس تنطبق على مواقع اقدام ظلالنا المنحسرة على ارض الغد 0 هكذا تجلى لي امس الفكرة و غد النظرة , امّا لماذا لانستطيع ان نكتمل ؟! فتلك علّة المخلوق لاعلّة الخالق , فالكامل لايبدع نقصا بالخلق , والناقص خلق ليكتمل بالمعرفة , كأن الامر خاضع لما اسميه قانون الاستحقاق العادل , فربما كان عجز الانسان عن الطيران مثلا هو الذي جعل عقله يخترع الطائرة ليطير بها جسده , وما الى ذلك 0 فالتضامن هو خلق المطلق للمقيد واتساع المقيد للمطلق او قل ْ : هو ابداع الشاعر للصورة واتساع الصورة للكون 0
متى يسمو العمل الشعري ويرقى الى حالة عليا رفيعة المستوى ؟
اقول بصراحة : كلنا نكذب على الشعر وهو يعلم ذلك , والمشكلة ان الكثير لايصدقوننا ونحن لانعلم ذلك 0 نحن شعراء اليوم انصاف قراء وبالتالي ارباع كتاب , ومما قلته في لقاء قبل هذا ان حالة العشق بين القارىء والكتاب تكاد تكون مسلوبة الاشواق , وبذلك يتم ما يتم من غايات ونزوات ادبية , ليحصل بعدها ما اسميه اختلاط النسل الادبي , عندما نتحرر من ذلك نرقي نحن لا الشعر الى حالة عليا في سماء القصيدة , فينسب الابن لابيه بمجرد اطلالته على العالم من خلال تشابه الملامح والسمات , فيقال للقصيدة : أنت ابنة فلان 0
اذا ما امتلك الشاعر رؤية العالم الخارجي وتفصيلاته وادرك ما يريد من ذلك وما يعتلج في نفسه انعكاسا لهذه الرؤية , فما الذي يكتبه او يقدمه اذا ما شرع في ذلك ؟
عندها يكتب ذاته على زجاج ذاك العالم ليدع للوجوه العابرة في دنيا المرآيا ولو فرصة من الانكسار بحصاة الظلام , فرصة تتناثر من خلالها اوراق الفكر على مياه نهر الضياء 0
اخيرا : بماذا تود ان نختتم به هذا الحوار ؟
-- اقول : كل وطن لا يسكنه الشعر احرى به ان يسافر الى اناس غير اناسه , واخيرا ابث كل الحب والتقدير لوطن الضاد ممثلا بقائده وشعبه ونشد بقلوبنا على اليد الطاهرة هناك في الجنوب تسري بين اركان الاقداس 00 رقم العدد 7249
يومية سياسية تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع - اللاذقية الخميس11/3/2010-