الوحدة
الثلاثاء 22/2/2011
عماد جنيدي
لُغَةُ الشاعر سُومَر عبد اللطيف كنوزٌ من العقيق والكريستال تسبحُ في غياهب الدلالاتِ الصُوفيَّة عبر استحداثاتٍ وصياغاتٍ لغويَّة تذكِّر باسلوب أبي تمَّام وتُضيفُ إليه.
إنَّه شعر عمودي كلاسيكي مُفعَم بروحِ الحداثة في اللّغَةِ والرؤيةِ والرؤيا.
عَبرت مُطلَقَةُ دُنيا نَسجتَ لها
ثوبَ الزمانِ مَدى فالموتُ عَريانُ
هذه الصورة "الموتُ عَريان" هي حقّاً صورةٌ سورياليّة جاءت في قالبٍ عمودي وذكرتني ببيتٍ لبدوي الجبل يقول فيه:
نحنُ مَوتى يسِرُّ قبرٌ لقبرٍ
مستريباً متى يكونُ النشورُ
فالحِوارُ بين القبور هو أيضاً تصويرٌ سوريالي.
أغازِلُ الجمرَ في عينيكِ مُتَّقِداً
نامَ الجميعُ بِها والجمرُ سَهرانُ
فمغازلة الجمر وتصويرُه في حالَة سَهر صُورتان جديدتان ومستحدثتان في الشعر العربي بقديمه وحديثه.
أرى الموتَ بعضي ثمَّ أمضي ببعضِهِ
إليهِ وَدونَ البعضِ من بعضِهِ حُجبُ
أطرِّزُ بالأحلام ليلَ محاجري
كما طرَّزتُ ثوب الظلامِ بِها الشّهب
الشاعر سومر عبد اللطيف يتصرَّف باللغة وكأنَّها فرشاةُ رسَّام يبدع من الموشورِ اللوني والصوفي المعرفي كواكِبَ ومجرَّاتٍ شعريَّة تسبَحُ في فضاءاتِ روحِهِ الرحيبه. وأحياناً يرسمُ صُورَةٌ تبدو للوهلة الأولى حِسَّية ولكنَّها سرعان ما تتحول إلى تجريّدية غيبّية.
حين كتب الشاعر الأمريكي ت. س إليوت رائعتهُ الأرض اليباب أهداها إلى الشاعر الأمريكي إذرا باوند مُخاطباً إياه بالصائِغِ الأمهر.
وأنا في رحلتي السريعة مع بعض قصائد سومر عبد اللطيف لا أملك أن أقول عنه إلاَّ الصائغ الأعمق والأمهر.
...........(نصرمن الله وفتح قريب ).........................
لُثْ عِمَّةَ المجدِ ما أغرتكَ تيجان..(نصرٌ) وبردتَك العصماءُ أوطانُ
لُثْ عمَّةَ النصرِ معقوداً بِغُرَّتِهاعلى.. اسم بشارَ لا ذُلُّوا ولا هانوا
يا صاحبَ الرايةَ الخضراءٍ ما خَفقت.. إلا هوت عن عُروشِ البغي أوثانُ
لُثْ عِمَّةَ العُربِ أرجعْ زَهوَ عِزَّتها..قدْ كادَ يَجلدُ فيها الأرضَ غسانُ
ما للفراتينِ ما ينفكُّ دمعُهُما...يجري ألا رقَّ منكِ القلبُ بغدانُ
نصيبُ كلِّ أنيسٍ فيكِ مُغترَبٌ ...وحظُّ كلِّ حبيبٍ منكِ حِرمانُ
أغازلُ الجمرَ في عينيكِ متَّقداً...نامَ الجميعُ بها والجمرُ سهرانُ
بعضُ الكلامِ عِتابٌ في محاجرِنا...نُغضيْ عليه وبعضُ الصمتِ أشجانُ
عراقُ هذا المدى جُرحي ولونُ ...دمي في رافديكَ عناقيدٌ ورُمَّانُ
الأرضُ مُسرجتي الكُبرى فهاجِسُها...زيتي وزيتونتي الخضراءُ قحطانُ
حسبُ الدماءِ على تاريخنا نسباً....أنَّ الجراحَ بعرفِ السَّيفِ إخوانُ
تبَّتْ يَدا أمَّةٍ تَبلى بها سُننٌ ...وليسَ تَبلى على الأزمانِ قُمصانُ
يا وقفةَ الذُّلِّ والتاريخُ ذاكرةٌ....والشمسُ سادِرةٌ والقدسُ نُسيانُ
نَفِرُّ منَّا وأيُّ الخطوِ ما علمتْ ...أنَّ الطَّريقينِ إذعانٌ وخذلانُ
عارٌ على صفحاتِ العُمْرِ يا وطني ..هيهاتَ يغسُلُهُ نُوحٌ وطُوفانُ
ما القِبلتانِ سوى قُدسٍ مُطهَّرةٍ...يجترُّ فيها لُعابَ الحِقدِ ثُعبانُ
يا فتيةَ المسجدِ الأقصى حِجارَتَكمْ.. قد يُرجِعُ الدارَ أحجارٌ وفتيانُ
يَستصرخُ الصخرةَ الصماءَ حَقُكمْ ...والأخرسانِ به نفطٌ وشيطانُ
هل في الخليجِ أساطيلٌ مرابطةٌ ..أمْ في الخليجِ تماسيحٌ وحيتانُ
يا فتنةً في بحارِ النفطِ عائمةً..غَرقى الأماني أما للنفطِ شُطآنُ
تجري الرياحُ بما لا تشتهينَ وما..كلُّ المياهِ على جنبيكِ خُلجانُ
بعضُ الحمامِ صقورٌ في سواحِلنا..تلوي الشِّراعَ وبعضُ الماءِ صَوَّانُ
من بابِ غزةَ هذي الريحُ قادِمَةٌ...فليتقِ الموجةَ الحمراءَ قُرصانُ
راضتْ شكائِمَها الأحرارُ واتقدتْ ..سَنابكُ الخيلِ فالأقدارُ ميدانُ
تبارَكَ الجُرحُ هدَّاراً بساحَتِها..تَسيلُ منهُ على الأزمانِ غُدرانُ
يا بنتَ عِمرانَ هزِّي جِذع نخلتِها..تُساقِطِ الدَّمعَ في كفّيكِ أغصانُ
يبكيْ الصَّليبُ وللأحزانِ مَريمُها..وللمسيحِ ببابِ القُدسِ أجفانُ
حاشا الصليبَ تُماري باسمِهِ طُغَمٌ ..حاشا النبيذَ يُخاني فيه سَكرانُ
أرى المواسمَ في (حيفا) مُبَّشرةً..ماذا سيقطفُ للأجيالِ لُبنانُ؟
مِن (صور) هذا المدى الممتدُّ ما كذبتْ ..فيه العيونُ وما خانتْهُ آذانُ
مِن (صور) هذا الخُرافيُّ الذي حَبِلتْ ..به قُرونٌ وأحقابٌ وأزمانُ
مِن (صور) تُختصَرُ الأمجادُ في رَجُلٍ ..كأنَّهُ في زمانِ الشِّركِ قُرآنُ
حيَّ عليكَ فما فاتتكَ تَسميَةُ ..ولا عدا حِزبَكَ الميمونَ عُدوانُ
حَيَّ عليكَ صلاةَ السيفِ ما كَفَرتْ ..يومَ الجهادِ يَدٌ والسيفُ إيمانُ
حَيَّ على الطَّلقةِ العذراءِ شَدَّ على ..طُهر الزِّنادِ بها شَيخٌ ومُطرانُ
حَيَّ على شُهَداءِ الحَقِّ خَلَّدَهُمْ ..ذِكرٌ فَهُمْ في ضميرِ اللهِ وِجدانُ
((الشاعر سومر عبداللطيف يوسف))