كـان نـصــر فتى جميلاً ، وكان يـقـيم بالـمـدينة في خـلافـة عـمـر بـن الـخطـاب - رضي الله عنه- ، مما يدلنا على أن جاليـة سُلميـة كانـت تقيـم فيـها ربما قبل عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم - ، .
وقـد حـدث أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمـع وهـو يـعـس بليـلٍ امـرأة تجهـر بأمنيتها الكمينة ويقال إنها أم الحجاج بن يوسف الثقفي ، فتقول :
هل من سبيل إلى الخمـر فأشربهـا؟أو هل من سبيل إلى نصر بن الحجاج
وكانت تقول أيضاً :
أنظر إلى السحر يجري في نواظرهوانظر إلى دعجٍ في طرفه الساجي
وانظر إلى شعرات فوق عارضـهكأنهـن نمـال دب فـي عاجـي
وكان يقول فيها نصر بن الحجاج :
ليتني فـي المؤذنيـن نهـاراًإنهم يبصرون من في السطوح
فيشيـرون أو يشـار إليهـمحبـذا كـل ذات دل ملـيـح
فلما أصبح سأل عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فإذا هو من بنو سُليم ، فأرسل إليه فأتاه فــإذا هـو مـن أحـسن الناس شعراً وأحسنهم وجهاً ، فأمر عمر أن يحلق شعره ، ففعل ، فخرجت جبهته فازداد حسناً.
ثم سمعها عمر بعد ذلك تقول :
حلقوا رأسه ليكسب قبحاًغيرة منهم عليه وشحـا
كان صبحا عليه ليل بهيمفمحوا ليله وأبقوه صبحا
فقـال عمـر : لا والذي نفسي بيده لا تجامعني بأرض أنا بها ، فأمر له بما يصلحه وسيره إلى البصرة .
ثم سمعت المرأة التي تغنت بأبيات الشعر بما حصل لنصر مع عمر
فعرفت أن عمر رضي الله عنه قد سمعها هي وأنها هي المقصودة بالأمر
فخافت من عمر وأرسلت إليه بأبيات تبين له أنها طاهرة نقية وإنما تغنت بأبيات ما قصدت منها إلا التغني فحسب وليست تنم عن ما في نفسها فقالت :
قل للإمامِ الذي تُخشى بوادرهُ ,,,,,, مالي وللخمر أو نصر بن حجاجِ
إني بُليتُ أبا حفص بغيرهما ,,,,,, شرب الحليب وطرف فاترٍ ساجي
لا تجعل الظن حقاً أو تبينه ,,,,,, إن السبيلَ سبيلُ الخائفِ الراجي
فلما قرأها عمر سأل عن المرأة فوُصفت له بالعفاف والخلق
فأرسل إليها أن قري ولا تخافي ثم بين لها أنه لم يخرجه من أجلها ولكنه قد بلغه أنه يدخل على النساء فخاف عليهن.
وكان بالبصرة أقارب له من بنو سُليم اتخـذوهـا مـوطناً لهم عقب تمصيرها ، ولابد أن عمر أختارها (( منفى )) لنصر بن حجاج رأفة به ، إذ لا ذنب له ، وإنما هي سياسة درء المفاسد وسد باب الفتنة وحماية الأخلاق الإسلامية في بلد الرسول المصطفى - صلى الله عليه وسلم- وبعد نفيه من المدينة آواه أبو الأعور السلمي ، ثم رأى أبو الأعور امرأته تكتب في الأرض ، فكفأ جفنه على ما كتب ودعا من يقرؤه وإذا المكتوب : لاصبر عنك ، فطرده أبو الأعور .
ثم إن نصر بن حجاج مكث في البصرة مدة وأرسل إلى عمر بن الخطاب رسالة يستجديه فيها بأبيات علَّه أن يرجعه إلى المدينة قال فيها :
لعمري لئن سيرتني وحرمتني ,,,,,, وما نلتُ ذنباً إن ذاك لحرامُ
وما نلتُ ذنباً غير ظنٍ ظننتهُ ,,,,,, وفي بعض تصديق الظنون أثامُ
أأن غنت الدلفاء يوماً بمنيةٍ ,,,,,, فبعضُ أماني النساء غرامُ
ظننتَ بي الظن الذي لو أتيتُهُ ,,,,,, لما كان لي في الصالحين مقامُ
فأصبحتُ منفياً على غير ريبةٍ ,,,,,, وقد كان لي بالمكتين مقامُ
ويمنعني مما تمنتْ حفيظتي ,,,,,, وآباءُ صدقٍ سالفون كرامُ
ويمنعها مما تمنتْ صلاتها ,,,,,, وفضل لها في قومها وصيامُ
فهاذانِ حالانا فهل أنت مرجعي ,,,,,, فقد جب مني كاهلٌ وسنامُ
إمامَ الهدى لا تبتلي الطرد مسلماً ,,,,,, له حرمة معروفة وزمامُ
فدمعت عينا عمر رضي الله عنه لِما رآه من شوق ووجد نصر بن حجاج للرجوع إلى المدينة
فأرسل إليه قائلاً : لا والله لا تساكني في بلدة أنا فيها.