ثورة تونس الخضراء نبراس عطاء وعنوان كبرياء..
في ظلال نصرك العظيم أيتها الشامخة, الحديث يحلو, وطيور الفرح في جنان القلب تشدو, وأزهار المجد في قلاع الكرامة تزهو, تونس يا أجمل نظم صاغه الشعراء في ضوء القمر فاهتز به الوتر, يا بسمة الفجر المتلألئ بنور الأمل, ويا ضوء صبح طلع فوق هام الجبل, ماذا عساي أكتب وأقول في زمن أعربت فيه أمتي في الكلام فلم تلحن, ولحنت في الأفعال فلم تعرب ؟ فحروفي أمام شمس عطائك في أفول, فما كان للأقوال أن تنطق في حضرة الأفعال, فؤادي يا تونس في محراب ودادك متيم متبول يشيد للحب جسورا ويمد للوصال حبالا فهل تقبلين كلمات عاشق خجلى يسطرها بمداد الغرام لتكون قربان حب ورسول صدق وعربون وفاء ؟؟؟
تونس أيتها الأبية : كل الأحرار اليوم ترنو أبصارهم وتهفو قلوبهم إليك فقد أصبحت مشرق الشمس ومطلع القمر وأنشودة السحر, يا ملهمة الأكوان وقبلة الثوار حق لك اليوم أن تفرحي وتهللي وتكبري فنصر الله قد جاء وفي أركانك أضاء, تتراقص قلوبنا مع أبنائك وهم بنصرهم يحتفلون وعلى ثراك يغنون أغنية النصر .
تسكب عيوننا الدموع فرحا لبنيك الذين شتتهم الجور في أقطار الكون غرباء مقهورين, وهم على وشك أن يشدوا إليك الرحال تحملهم أجنحة الشوق تطوي بهم المسافات وتجتاز كل العقبات, ليعانقوك فجرا كي تسكنيهم سويداء قلبك وتحرسيهم بأهداب عينيك وتغمريهم بفيض حنانك فيرتوي ظمأ قلوبهم وعطش أرواحهم, بعد طول عناء ولوعة اغتراب, يقدمهم الغنوشي المجاهد الأبي, والمنصف الهمام المقدام, وثلة من من الرهط المهاجر الكرام, الذين ما داهنوا في الحق ولا هادنوا ولا باعوا ولا ساوموا، فكانوا الشامخين في زمن الانكسار والمقدمين في زمن الاندثار.
يا تونس المجد ! أنت اليوم على موعد مع فرح سماوي تلتئم به جراحك, ويزهر في الآفاق مصباحك بعد أن سطرت في سفر الخلود ملحمة الشجعان بتسعين فارسا امتطوا زورق الخلود وقد وفوا بمواثيقهم والعهود, لترفرف أرواحهم الطاهرة في سمائك الزاهرة يباركون ثورتك ويطبعون قبلة الشوق على جبينك الوضاء وكفك المعطاء, فطيبي نفسا أيتها الأم الرؤوم فطغمة الأوباش ليلا قد تقهقرت، وجموع شعبك المغوار في ميادين النصر قد تبخترت, فسلام لك وسلام عليك في الخالدين, والخزي والعار لجلاديك المجرمين الذين مضوا مدحورين مقبوحين وباللعنات مشيعين إلى مزابل التاريخ ما بكت عليهم أرض ولاسماء .
اشوقي الأسطل
لكل طاغية نهاية ..
" لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب " صدق الله العظيم .
من حق كل الأحرار اليوم أن يفرحوا بسقوط صنم تونس الذي ألهه المنافقون المتكسبون الآكلون بمبادئهم خبزا مغمسا بالذل والمهانة في ذلك القطر الحبيب، من حقهم أن يفرحوا بتهاوي هذا الطاغية الذي كمم الأفواه ونكل بالشرفاء، وتفنن في إذلال أصحاب النفوس الكريمة الأبية التي لم تنحن أمام ظلمه وجبروته، ولم يفتنها بريق ذهبه وهيلمان سلطانه، في هذا اليوم الأغر المجيد من أيام العزة والفخار لشعب تونس ولسائر الشعوب المناضلة لنا وقفات للذكرى و الاعتبار :
1- للكرامة ثمن لا يستحقها إلا من بذله سعيدا راضيا، فقرة عين الحر فيما يعطي ويقدم، وسعادته فيما يضحي ويبذل من أجل حق وقضية، وقد قدم التونسيون الثمن بكل عزة وإباء، وشموخ، فاستحقوا هذا النصر الذي أثلج صدور الأحرار، وأضاء دروب الأمل أمامهم، لتكون تونس مصدر إلهام، ونبراس عطاء لكل الطامحين إلى غد لايشوبه الظلم ولا يعكر أجواءه أصحاب النفوس الدنيئة، والقلوب السقيمة، والبطون الجرباء المنتفخة بقوت الكادحين والفقراء .
2- إن الحقوق لا تستجدى، ولا تمنح تفضلا، وإنما تنتزع، فالظلمة المتسلطون لا يفهمون لغة الموادعة والسلام، بل يفسرونها عجزا، وخورا، وجبنا، وضعفا، لأن من ساء عمله ساء ظنه، قال أبو ذر ( عجبت لمن لم يجد القوت في بيته كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه ؟؟؟ ) ويقول علي ( إني لأعجب للرجل إذا ما سيم خطة خسف كيف لا يقول لا بملء فيه ؟؟؟ كم أذل الحرص أعناق الرجال أف للجبناء )
إن الحياة الحرة الكريمة كالقمح الطيب لا يستحق أن ينعم به من لم يدفع ثمن الحصول عليه، وهذا الصنف المتردد الجبان سيعيش العمر ذليلا تافها حقيرا صفرا من أصفار الوجود الذين لا وزن لهم ولا كرامة، وسيدفع ثمنا للذلة أكبر بكثير من ثمن الكرامة الذي دفعه الأحرار .
3- مهما طال ليل الظلم فإن الفجر حتما سيطلع، ليبدد بأنواره كل الظلمات ويضمد جراح النفوس، ويجبر كسر القلوب التي أنهكها طول الانتظار والترقب، فلا دوام لحال فإن للابتلاءات آجالا تنتهي إليها لتصبح طيفا من الماضي وأثرا من آثاره، ودرسا من دروسه البليغة، ولكن البشر يجزعون، وقلما يصبرون، مع أن الصبر مفتاح النصر ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ) يقول ابن القيم : الصبر لقاح اليقين فإذا اجتمعا أورثا الإمامة في الدين .
4- لكل طاغية نهاية مؤلمة يستحقها كي يبقى عبرة يضرب به المثل، ويتعظ بقصته العقلاء ويرويها الحكماء، أما أصحاب الجهالة والعمى الفكري، والقلبي، فلن يرعووا ولن يرتدعوا ولو رأوا كل آية، لأن القدر يسوقهم إلى مصائرهم السوداء كوجوههم الكالحة سوقا، جزاءا بما كسبت أيديهم الآثمة، وأجرمت.
5- ما تجرأ أحد على الله وشرعه الا أذله وكسر أنفه، وحطم كبريائه الزائف، لقد حارب هذا الساقط شرع الله، وحظر الحجاب، وعادى الفضيلة، وسعى جاهدا لطمس الوجه الإسلامي الساطع النقي لذاك البلد الأبي، فخاب وخسر لينتهي به المطاف هاربا ذليلا جبانا يجوب بطائرته أقطار الأرض مستجديا المقام، فلا يحظى إلا بالرفض والتجاهل حتى من أصدقاء الأمس القريب، وفي هذا من المهانة مالا يحس به إلا من تجري دماء العزة في عروقه .
6- عجبت للإعلام الرسمي في ذلك البلد كيف بدل جلده وغير ولاءه، فاستدار دورة كاملة في لحظة واحدة، وهذا حال من رخصت عليه كرامته وقدم الأكل على المبدأ، فهؤلاء عبيد لمن ملك، وخدم لكل نجم علا، وهم كذلك أول أعدائه إن هوى، ولا ينخدع بأمثال هؤلاء مسؤول عاقل أو صاحب سلطة حصيف يزن الأمور بميزان دقيق ولا يستخفه المعسول من اللفظ الذي أجاده المنافقون من عصر رسول الله إلى يومنا هذا .
7- إن الشعوب إذا غضبت لا تعيقها السدود، ولا توقفها الحواجز، لأن إرادتها من إرادة الله الذي لا يرض الظلم ولا يبارك الساكتين عليه بل يعتبرهم شياطين خرسأ مآلهم النار وصمتها وراءه بركان غضب لاهب سينفجر يوما ليحيل نعيم الظالمين إلى جحيم وينسيهم كل لذة محرمة اختلسوها على حساب شعوبهم المقهورة المنكوبة بهم وبأزلامهم من المسبحين بحمدهم والمطبلين لمصائبهم .
هذه أجمل ثورة عربية.. بل هى واحدة من أجمل الثورات فى العالم.. هى أجمل من ثورة رومانيا وثورة أوكرانيا.. بكثير
كان الرئيس التونسى زين العابدين بن على مناضلاً عظيماً ضد الاستعمار.. هو واحد من شباب الحركة الوطنية التونسية ضد الاحتلال الفرنسى.. ودفع ثمن وطنيته مفصولاً من التعليم ومعذباً فى السجون.
■ ثم قام زين العابدين عام 1987 بانقلاب رائع على الرئيس الحبيب بورقيبة.. كان بورقيبة قد فقد الكثير من قدراته الفكرية والسياسية.. وكان بورقيبة ضعيفاً فى مواجهة الزمن، وكان الشعب التونسى ضعيفاً فى مواجهة بورقيبة والزمن.. فجاء زين العابدين بالانقلاب الصائب فى التوقيت الصائب.. ثم بدأ زين العابدين صُلحاً مع المعارضة والنخبة المثقفة وفئات الشعب.. وفتح أبواب قصر الرئاسة فى قرطاج لمن يرغب فى النقاش والحوار.
■ ما الذى تفعله السلطة بالرجال.. كيف تحول رجل وطنى قاوم الاستعمار إلى رجل قاتل يطلق الرصاص الحى على شباب منكسر موجوع؟
كيف تحول رجل الدولة الذى لم يترك المزيد لأخطاء بورقيبة.. ثم بنى دولة جيدة من طبقة وسطى واسعة إلى تعليم وصحة وإسكان.. إلى رجل السلطة الذى لم يهتز لطوابير العاطلين ولم يخشع لأنّات الفقراء والمهزومين؟ كيف أصبح رجل الدولة.. رجل السلطة؟ كيف أصبح الثائر ضد الثورة؟
■ يذكرنى زين العابدين بصدام حسين الذى كان نائباً عظيماً.. ثم أصبح رئيساً لا يُحتمل.. بنى صدام حسين بلاده وهو نائب للرئيس.. ثم هدم ما بناه وما بناه الآخرون حين أصبح رئيساً للبلاد.. كان صدام الرئيس يمشى بأستيكة فوق صدام النائب.. ثم مشى بقنبلة نووية فوق مستقبل بلاده ومستقبل بلاد العرب.. فترك العراق أرضاً للخراب.. وأتى بالاحتلال الأمريكى إلى شرق العرب.
■ هى المدرسة ذاتها.. زين العابدين بدأ مناضلاً وانتهى قاتلاً.. بدأ ضد الاستعمار وانتهى ضد الشعب.. بدأ ضد فرنسا وانتهى ضد تونس!
■ لم يفهم زين العابدين أن لصبر الشعوب حدوداً.. وأن التاريخ لا يغفر لمن يفهم متأخراً.. وأن قراراته بحل البرلمان وإقالة الحكومة والإطاحة برجاله قد تأخرت كثيراً عن الموعد الذى انتظره الشعب.. نجحت «القلة المنحرفة» وأطاحت بأقوى نظام أمنى فى العالم العربى.. نجحت «القلة المنحرفة» فى أن تجعل من الكرامة جيشاً شعبياً ضد زين العابدين ومؤسساته.
■ إنها أجمل ثورة عربية.. وهى من أجمل ثورات العالم.. لم يكن هناك ذلك التجهيز الطويل الذى حدث فى أوكرانيا.. ولا آلاف الرجال التابعين للمخابرات المركزية الأمريكية ولا مليارات «سورس» التى موّلت الثورة البرتقالية فى أوكرانيا.
■ لم يكن هناك ستون ألفاً من رجال السى آى إيه ورجال الكى جى بى كما حدث فى رومانيا.. لم يكن هناك دعم أمريكى وتواطؤ روسى من أجل إسقاط شاوشيسكو.. بل كانت ثورة 14 يناير المجيدة.. ثورة «تونسية» خالصة.. قادها شباب عظيم.. زاده الرصاص جسارة وفروسية.
■ تحية للشباب التونسى العظيم الذى رفع رؤوس العرب أجمعين.. ألف مبروك.