تهويد القضاء النضامي والشرعي الاسلامي

على أثر الاحتلال الاسرائيلي للقدس في 7/6/1967، أغلقت سلطات الاحتلال الاسرائيلي جميع المحاكم النظامية في المدينة، واتخذت الاجراءات التهويدية التالية:

( أ ) نقلت مقر محكمة الاستئناف العليا من القدس الى مدينة رام الله.
(ب) أدمجت محاكم البداية والصلح في القدس بالمحاكم الاسرائيلية المماثلة القائمة بالجزء المحتل سابقاً من المدينة، ونقلت اليها جميع سجلاتها وأثاثها.
(جـ) طلبت من القضاة والموظفين الفلسطينيين تقديم طلبات للالتحاق بوزارة العدل الاسرائيلية.
(د ) فصلت القضاء النظامي القائم بالقدس عن شؤون الضفة الغربية وألحقته كلياً بالقضاء الاسرائيلي.

إعتبر الجهاز القضائي هذه الاجراءات تأكيداً لتهويد القدس، فرفضها رجال الجهاز وامتنعوا عن التعامل والعمل مع سلطات الاحتلال (باستثناء أربعة منهم) وما زالت الغالبية العظمى ممتنعة عن مثل هذا التعاون، مجمدة نفسها، كل في منطقته، حتى كتابة هذا البحث مطلع 1987.

وقد شارك المحامون في القدس وفي الضفة الغربية، والأُسرة القضائية برفض التعاون ورفض الظهور أمام المحاكم الاسرائيلية المدنية منها والعسكرية، معلنين تضامنهم مع إخوانهم القضاة في رفض الاعتراف بضم القدس الى (اسرائيل) وفصل قضائها عن قضاء الضفة الغربية، وأكّدوا هذا الرفض في عدد من المذكرات والوثائق رفعت الى الحكومات العربية والهيئات الدولية والسلطات المحتلة نفسها، وما زالوا حتى اليوم يمتنعون عن الظهور والترافع أمام المحاكم الاسرائيلية.

أما المحاكم الشرعية الاسلامية، فقد تغاضت سلطات الاحتلال في بايء الأمر عن إغلاقها، وحاولت استمالة قضاتها وموظفيها بالاغراء أولاً، وبالضغط والتهديد فيما بعد، للالتحاق بأجهزتها، ولمَّا لم تنجح في ذلك، بادرت الى نفي رئيس المحكمة الشرعية الاسلامية، الشيخ عبد الحميد السائح، من القدس الى عمان بتاريخ 23/9/1967 آملة من وراء ذلك إخضاع الباقين من رجال القضاء والشرع الاسلامي لادارتها.

استمر قضاة الشرع الاسلامي في القدس في رفض التعاون مع السلطات المحتلة وتضامن معهم جميع قضاة الشرع، وأجهزة المحاكم الشرعية، ودوائر الاوقاف في الضفة الغربية، وما زالوا جميعاً يتمسكون بهذا الرفض حتى الان.

وكان من نتيجة هذا الموقف أن أوعزت سلطات الاحتلال الى اجهزتها بعدم تنفيذ أي حكم أو قرار للمحاكم الاسلامية، كما تجاهلت كلياً أية شكاية ترفعها اليها دوائر الاوقاف أو رئيس الهيئة الاسلامية التي تألفت بعد الاحتلال في القدس لترعى شؤون المسلمين في الضفة الغربية بما فيها القدس.

وقد شمل هذا التجاهل لقرارات المحاكم الاسلامية واعمالها عدم الاعتراف بشهادات الزواج والطلاق والارث والوصاية والوقف وغيرها مما له علاقة بالاحوال الشخصية اليومية للسكان، ومن ذلك اية ولادة جديدة تنشأ عن زواج جديد، الامر الذي خلق التعقيدات المتتالية للقضاة الشرعيين وللاوقاف وللسكان المسلمين. ورغم كل هذه المتاعب، فقد تحمل الجميع الوضع بصبر وهدوء أقلق السلطات المحتلة واضطرها مؤخراً الى اتخاذ إجراء معاكس تأمل من ورائه خلق جو من البلبلة والانقسام بين المسلمين، وذلك بتعيين قاضٍ شرعي ليافا على أن يكون مسؤولاً أيضاً عن القضاء الاسلامي في القدس، والطلب من السكان مراجعته واعتماده في القدس في كل ما يتعلق بشؤونهم الدينية. وقد رفض مسلمو القدس الاعتراف بهذا التعيين، ورفضوا التعامل مع القاضي الجديد، معتبرينه غير مؤهل للقضاء الاسلامي، طالما كان يمارس عمله عن طريق الولاء لحكومة (اسرائيل)، فضلاً عن أنه بقبوله ذلك، يعتبر معترفاً بضم القدس، وهذا ما ينكرونه ويقاومونه.

تهويد التعليم العربي:
ولم تهمل سلطات الاحتلال الاسرائيلي قضية التعليم من مخططاتها التهويدية، فقد سارعت أيام الاحتلال الاولى، ووضعت أيديها على جميع المدارس الحكومية ومكاتب مدير التعليم الاردني في المدينة، وأعلنت أن عملها هو إخضاع التعليم في جميع المدارس الحكومية لبرامج التعليم التي تطبقها على المدارس الفلسطينية في المناطق المحتلة منذ عام 1948، كما أعلنت في الوقت ذاته عن إلغائها لبرامج التعليم الاردنية ولجميع الكتب المدرسية الخاصة بها، وطلبت من مدير التعليم الاردني وموظفي مكتبه، وجميع مديرات مدارس القدس ومديريها ومعلماتها ومعلميها، الالتحاق بأجهزة التعليم الاسرائيلية الخاضعة لوزارة المعارف ولبلدية القسم المحتل سابقاً من المدينة.

وقد رفض مدير التربية والتعليم ومساعدوه وجميع موظفي مكتبه والجهاز التعليمي مبدئياً التعاون، كما رفضوا الانضمام الى اجهزة السلطات المحتلة رغم الاغراءات المالية التي عرضت عليهم، وكانت حجتهم في ذلك انهم يرون في تطبيق برامج التعليم الاسرائيلية قبولاً بعملية ضم القدس الى (اسرائيل)، وهو ما يرفضونه. فردت سلطات الاحتلال على هذا الموقف باعتقال مدير التعليم ومساعده وسجن كل منهم ثلاثة اشهر، ثم أصدرت سلسلة من الاوامر لفتح المدارس في الاوقات المحددة لها، والمباشرة بالضغط على اجهزة التعليم واولياء امر الطلاب بشتى الطرق للتعاون ولاستئناف السنة الدراسية وذلك لايهام الرأي العام العالمي بأن الامور في الاراضي المحتلة مستتبة وطبيعية.

وكان في القدس عند الاحتلال الاسرائيلي 30 مدرسة حكومية عربية، منها 18 للبنين، و12 للبنات فضلاً عن 14 مدرسة طائفية وأهلية. وكان يتعلم فيها حوالي 15 الفاً من الطالبات والطلاب.

فتحت المدارس الحكومية بالقوة والتحق بها بعض المعلمات والمعلمين لكن قسماً كبيراً منهم امتنع وما زال ممتنعاً عن العمل. أما المدارس الطائفية والاهلية فقد وقفت لفترة، ثم ما لبثت أن واصلت التدريس، بعد أن بدت لها إمكانية الاستمرار بتدريس برامجها الخاصة.

وقد اغتنم عرب القدس فرصة إفتتاح باب التعليم في المدارس الطائفية والاهلية فحولوا قسماً كبيراً من الطالبات والطلاب اليها بعد ان تفاهموا مع ادارتها لتوسيعها، وإفساح المجال لاستيعاب أكبر عدد ممكن فيها. وقد أدت هذه الاجراءات الى تخفيض اعداد الطلاب في المدارس الحكومية وخاصة الثانوية منها، بشكل اقلق السلطات المحتلة، ودفعها الى اصدار قانون آخر سمته (قانون الاشراف على المدارس لسنة 1969)، نشر في مجلة القوانين الاسرائيلية العدد رقم 564 الصادر بتاريخ 17 تموز/يوليو 1969 وتقرر العمل به اعتباراً من 17 كانون الثاني/يناير 1970.

والقانون، في إجماله، حلقة جديدة من حلقات التهويد الاسرائيلية للقدس، ويستهدف الاشراف الكامل على جميع المدارس الطائفية والاهلية ويفرض على جميع المدارس والجهاز التعليمي فيها، الحصول على تراخيص إسرائيلية تجيز لهم ولها الاستمرار بممارسة المهنة، كما يفرض عليهم الاشراف الاسرائيلي الكامل بالنسبة لبرامج التعليم ولمصادر التمويل.

وبرامج التعليم الاسرائيلي، كما حللها رجال التربية الفلسطينيين، تستبعد كل ما ينمّى روح الانتماء للحضارة الاسلامية، وتستدرج الطلاب، وبخاصة الجيل الجديد منهم، الى الابتعاد عن ثقافتهم وقيمهم الاسلامية، بهدف محو شخصيتهم وهويتهم الاصلية وعندها يسهل صهرهم كلياً في بوتقة الشخصية اليهودية والدولية الاسرائيلية.

ولقد قامت سلطات الاحتلال العسكري الاسرائيلي بهدم مدرسة بنات الاقصى الواقعة في الحي المغربي، وكانت تضم 300 طالبة من بنات العائلات المقدسية داخل السور، كما قامت بتطويق المدرسة الصناعية الثانوية التابعة للجنة اليتيم العربي، الواقعة قرب مطار القدس، بالمصانع من جهاتها الاربع وأغلقت الطريق الموصلة اليها، وفجرت الالغام حولها والحقت بها تصدعات بقصد الضغط على إدارتها وإرغامها على التنازل والجلاء عنها ومبادلتها. لكن إدارة الجمعية والمدرسة ظَلّتا تقاومان بصبر.

إغلاق دائرة الشؤون الاجتماعية في القدس:
وبتاريخ 16/5/1973، أضافت سلطات الاحتلال الاسرائيلي اعتداء آخر الى سلسلة اعتداءاتها على القدس وسكانها، وذلك بإقدامها على إغلاق دائرة الشؤون الاجتماعية في المدينة، وتوزيع اختصاصها بين ثلاثة مكاتب هي:

الاول: مكتب إسرائيل مقره القدس وعلى رأسه موظف إسرائيلي، أناطت به الاشراف على جميع الجمعيات الخيرية القائمة في مدينة القدس.
الثاني: مكتب فرعي، مقره مدينة رام الله، وجعلته تحت رئاسة موظف عربي وأناطت به الاشراف على الجمعيات الخيرية الواقعة في رام الله والبيرة وقضائهما.
الثالث: مكتب فرعي آخر، مقره مدينة بيت لحم، وجعلته تحت رئاسة عربي آخر وأناطت به الاشراف على الجمعيات الخيرية الواقعة في قضاءي بيت لحم وأريحا.

إن هذه الاجراءات هي إجراءات سياسية يقصد بها تمزيق هذه الدوائر القائمة بالقدس وإلحاق جميع الجمعيات الخيرية فيها بدائرة اسرائيلية تابعة للحكم الاسرائيلي المباشر، كما يقصد منها أيضاً فك ارتباط الجمعيات الاخرى القائمة في الوية رام الله وأريحا وبيت لحم من الدوائر الأم القائمة بالقدس، وإخضاعها للحكم العسكري الاسرائيلي المباشر الذي يشرف على إدارة الضفة الغربية حالياً، وكلتا العمليتين يراد بها تكريس فصل القدس سياسياً عن الضفة الغربية وتكريس ضمها لسلطات الاحتلال الاسرائيلي.

وفي القدس حالياً اكثر من ثلاثين جمعية خيرية قائمة، شملها التغيير السياسي الجديد، أخضعت هي وجميع معاهدها العلمية والطبية والخيرية، للقوانين الاسرائيلية وللاشراف الاسرائيلي المباشر. وعلى رأس هذه المؤسسات يأتي مستشفى المقاصد الخيرية الاسلامية وملجأ العجزة الارثوذكسي ومستشفاه، ومستشفى الهلال الاحمر، ودار الطفل العربي، وكلية الاداب للبنات التابعة لها، والمدرسة الصناعية الثانوية التابعة للجنة اليتيم العربي، والمعهد العربي وكلية العلوم والتكنولوجيا، وعشرات من العيادات الطبية والمدارس الاهلية الاخرى.

وتشكل هذه الاجراءات حلقة أخرى من حلقات اعتداءات سلطات الاحتلال الاسرائيلي على حقوق السكان المدنيين العرب في القدس المحتلة وتكريس الضمّ خلافاً لاتفاقية جنيف وخلافاً لقرارات هيئة الامم المتحدة ولقرارات مجلس الامن الدولي التي جاء في الفقرة الثالثة من آخرها وهو رقم 298/1971 المؤرخ في 25/9/1971 ما يلي:

« إن مجلس الامن يؤكد في أوضح عبارات ممكنة أن جميع الاعمال التشريعية والادارية التي اتخذتها إسرائيل ومنها مصادرة الاراضي والممتلكات ونقل السكان ووضع تشريعات تهدف الى ضم القطاع المحتل من القدس، هي كلها أعمال باطلة ولا يمكن أن تغير ذلك الوضع ».

وهذه حلقة جديدة من حلقات مخططات سلطات الاحتلال العسكري الصهيوني لتهويد مدينة القدس، وتشمل هذه الحلقة تغيير أسماء الساحات والشوارع والطرق العربية والتاريخية واستبدالها بأخرى يهودية، كجزء من خطة تستهدف إزالة معالم الحضارة الاسلامية عن المدينة المقدسة. وفيما يلي بعض هذه التغييرات:

الاسم القديم	الاسم الجديد
1 - طريق سليمان - خارج السور (والمعني بسليمان السلطان سليمان القانوني باني سور القدس)، وهي الممتدة من باب العمود حتى ساحة اللنبي غرباً	شارع المظليين
2 - تل الشرفة أو المشارف - خارج السور، ويضم القسم الغربي من هضبة الشيخ جراح	جبعات هفتار
3 - باب المغاربة - داخل السور - (نسبة الى عرب المغرب من شمال افريقيا)	رحوب بيتي محسي
4 - طريق الواد - داخل السور، وتمتد من باب العمود حتى ملتقى شارع باب السلسلة	رحوب هكاي
5 - حارة الشرف - داخل السور	مشقاف لداخ
6 - سوق الحصر - داخل السور	حباد
7 - عقبة درويش - داخل السور	حبر حييم
8 - عقبة اغنيم - داخل السور	شونية هالكوت
9 - طريق الفرير - داخل السور	هآحيم
10- طريق المجاهدين - داخل السور	ديرخ شاعر خيرؤت
11- الهضبة الفرنسية أو كرم لويز أو تل المشارف ويضم القسم الشرقي من هضبة الشيخ جراح	حي شابيرا
12- ساحة باب الخليل	ميدان عودة صهيون
13- عقبة أبو مدين الغوث الواقعة ما بين حائط البراق والحي اليهودي	عقبة الشاعر يهودا هاليفي

لكل اسم من الاسماء المستبدلة دلالة وتاريخ، ترتبط كلها بتاريخ العرب والاسلام في المدينة المقدسة، وإن إزالة هذه الاسماء لتعتبر إزالة للدلائل وللتاريخ العربي والاسلامي، كما تعتبر جريمة واعتداء بالغين على الحضارة وتاريخ القدس.

تنفيذ قانون إسرائيلي للتعويض عن أملاك العرب المقيمين في القدس:

أقر البرلمان الاسرائيلي في حزيران/يونيو 1973 مشروع قانون اسمه « قانون املاك الغائبين الاسرائيلي - تعويض - 1973 ».

ويدعو القانون عرب القدس، الحاضر منهم والغائب، للتنازل عن املاكهم مقابل تعويضات مالية، وحدّد النظام المنبثق عن هذا القانون، الإجراءات التي يجب السير بموجبها للنظر في الطلبات المقدمة، وبغضّ النظر عن ضآلة قيمة هذه التعويضات وعن مدة تسديدها التي تمتد الى خمس عشرة سنة، فإن لهذا القانون أبعاده وأهدافه السياسية الخطيرة ومن أبرزها ما يلي:

( أ ) حرمان الغائبين من أهالي القدس الذي طردتهم سلطات الاحتلال اثناء قتال 1948 و 1967 وبعده وعددهم يزد على مائة الف، من حق العودة لمدينتهم ومن حق استعادة أملاكهم ومن حق الاقامة في بلدهم.
(ب) الضغط على أصحاب الاملاك الموجودين حالياً وكذلك على وكلاء الغائبين بشتى أنواع الارهاب للتنازل عما يملكون أو ما يملكه موكلوهم في القسم المحتل من القدس بعد حرب 1948.
(جـ) قيام سلطات الاحتلال، بحملة تضليل في الاوساط الدولية والعالمية تزعم فيها أن عرب القدس قد باعوا ممتلكاتهم الى السلطات الاسرائيلية بمحض إرادتهم.
(د ) استغلال سلطات الاحتلال للإجراءين السابقين واتخاذهما وسيلة ماكرة لدعم إجراءاتها في تكريس ضمّ القدس، وبالتالي ترسيخ ادعائها بأنّ القدس عاصمتها.
(هـ) العزم على أن تؤدي هذه الإجراءات الى تقليص ملكية الفلسطينيين في القدس وبالتالي الى تقليص الكيان العربي في القدس.

ويجب الاشارة هنا الى انه يخشى ان يتخذ من هذا القانون سابقة لتطبيقه فيما بعد على باقي المناطق العربية المحتلة من فلسطين أو وسيلة شرعية لتصفية القضية الفلسطينية برمتها.

أما بالنسبة للرأي العام العالمي، فيكفي الايضاح والاشارة بأنه لم يتقدم أحد من أصحاب الاملاك العربية في القدس (وهم الذين صودر لهم آلاف العقارات والآلاف من الدونمات) وقد وصلتهم الدعوات الخطية من سلطات الاحتلال الاسرائيلي تدعوهم فيها لمراجعتها للتفاوض معها بشأن تعويضهم عن أملاكهم وأراضيهم المصادرة، وهم يعدون بالآلاف وأكثرهم يعيش عيشة بؤس وحاجة) لم يتقدم أحد من سكان القدس لمراجعة سلطات الاحتلال والتفاوض معها للتعويض عما صودر من املاكهم وأراضيهم على الرغم من الضغوط والاستفزازات والاغراءات المتواصلة التي كانوا، وما زالوا، يتعرضون لها.

تهويد الاقتصاد :
ولم تكد سلطات الاحتلال تعزل القدس، سياسياً وإدارياً، عن المناطق المجاورة حتى فاجأت سكانها بسلسلة من إجراءات أخرى، تهدف من ورائها الى تصفية الاقتصاد وإذابته تدريجياً في بوتقة الاقتصاد الاسرائيلي. فأغلقت البنوك القائمة، وهي: العربي والقاهرة / عمان، والعقاري، والاردن، والاهلي، وانترا. وصادرت أموالها، كما أغلقت لفترة معينة البنكين الاخرين العثماني والبريطاني، واستبدلت العملة الاسرائيلية بالعملة الاردنية، ومنعت إدخال أي إنتاج زراعي أو صناعي أو أية سلعة من القرى والمدن المحيطة بالقدس، والضفة الغربية، الى أسواق القدس فيما أدخلت جميع أنواع البضائع والمنتجات الاسرائيلية إليها.

ولقد أدى هذا المنع، الى حرمانِ ساكن القدس من استهلاك الانتاج، حتى ولو كان من مزارِعِهِ او صناعَتِهِ هو شخصياً، واضطراره الى شراء حاجياته الضرورية مِن السلع الاسرائيلية والانتاج الاسرائيلي، وفتح باب التعامل الاجباري بين بعض التجار المقدسيين وبين بعض التجار الاسرائيليين، وحرمان المنتح الفلسطيني المجاور من أسواق كانت تستهلك قسماً كبيراً من إنتاجه، وأدّى هذا الحرمان الى تقليص بعض هذا الانتاج، وبالتالي تخفيض الايدي العاملة فيه وإضافته إما الى طائفة العاطلين عن العمل، أو التحاق بعضها، أمام ضغط الحياة، للعمل لدى السلطات المحتلة أو إحدى مؤسساتها أو أماكن العمل فيها.

وقد دفع هذا المنع فريقاً من المنتجين الزراعيين والصناعيين في الضفة الغربية لمراجعة السلطات المحتلة لتسهيل نقل إنتاجهم او بعضه الى أسواق الضفة الشرقية من الاردن، وكأنما جرى ذلك ضمن تخطيط إسرائيلي واسع، يقصد به التفريج الجزئي عن هذا الانتاج مقابل تثبيت المنع عن القدس، ومقابل تأكيد فصلها عن الضفة الغربية، وإكراه المواطنين من جهة، والجانب الاردني من جهة أخرى، على الرضوخ لهذه الاجراءات وقبول الامر الواقع.

إجراء إحصاء لسكان القدس بعد الاحتلال:
وفي 25/7/1967 أجرت سلطات الاحتلال الاسرائيلي إحصاءً عاماً لسكان القدس سجلت بموجبه اسماء جميع الموجودين فيها من مواطنين وأجبرتهم على الحصول على بطاقات هوية إسرائيلية (وهذه الهوية لا تفرض على حامليها الجنسية الاسرائيلية) خلال ثلاثة أشهر.

واستناداً الى هذا الاجراء، اعتبر جميع أبناء القدس الغائبين بحكم العمل في المناطق او البلاد المجاورة، أو أية منطقة بالعالم قبل نكبة 1948 وبعدها، والذين نزحوا مؤقتاً أثناء القتال، اعتبر هؤلاء جميعاً غائبين، وحرموا من حق العودة لبلدهم.

ويقدّر عدد هؤلاء مع عائلاتهم بما لا يقل عن مائة الف نسمة، وقد قضت عملية التهويد والاحتلال والاحصاء الاسرائيلي بالغاء حقهم الدولي في الانتساب للقدس، فيما منح هذا الحق لكل يهودي في العالم.

مصادرة أملاك الغائبين:
وبعد اكتمال عمليتي ضم القدس وإجراء الاحصاء السكاني فيها سارعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي الى تطبيق قانون املاك الغائبين على جميع الغائبين عن القسم المحتل الجديد، وفتحت مكاتب حكومية في القدس وباشرت بتسجيل جميع الاموال المنقولة وغير المنقولة التي تخص أولئك الغائبين. وكنتيجة لهذه الاجراءات وضعت سلطات الاحتلال الاسرائيلي ايديها على مساحات واسعة مما تبقّى لسكان القدس من أراضٍ وعلى قسم كبير مما تبقى من عقارات، كما حجزت، وما زالت تحجز، ما يصل الى علمها من اموال منقولة وأسهم شركات تخص اولئك الغائبين، وتحول ذلك كله الى املاك يهودية او واقعة تحت تصرف (اسرائيل)، لتهويدها تدريجياً، كما فعلت بأملاك الفلسطينيين الذين طردوا أو كانوا غائبين في المناطق الفلسطينية سنة 1948.

» قبل الكتابه في قسم الاسلامي (2)
» أين نحن من تهويد القدس والأقصى؟
» مؤامرة تهويد القدس
» نعم يمكنك القضاء علىمرض السرطان
» إحالة متورطين بكارثة جدة إلى القضاء