(( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ.
وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)).
******************************************************************
الْبَصَر هُوَ الْبَاب الْأَكْبَر إِلَى الْقَلْب , وَأَعْمَر طُرُق الْحَوَاسّ إِلَيْهِ , وَبِحَسَبِ ذَلِكَ كَثُرَ السُّقُوط مِنْ جِهَته . وَوَجَبَ التَّحْذِير مِنْهُ , وَغَضّه وَاجِب عَنْ جَمِيع الْمُحَرَّمَات , وَكُلّ مَا يُخْشَى الْفِتْنَة مِنْ أَجْله ; وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوس عَلَى الطُّرُقَات ) فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسنَا بُدّ نَتَحَدَّث فِيهَا . فَقَالَ : ( فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِس فَأَعْطُوا الطَّرِيق حَقّه ) قَالُوا : وَمَا حَقّ الطَّرِيق يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : ( غَضّ الْبَصَر وَكَفّ الْأَذَى وَرَدّ السَّلَام وَالْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر ) . رَوَاهُ أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ , خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم . وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ : ( لَا تُتْبِع النَّظْرَة النَّظْرَة فَإِنَّمَا لَك الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَك الثَّانِيَة ) . وَرَوَى الْأَوْزَاعِيّ قَالَ : حَدَّثَنِي هَارُون بْن رِئَاب أَنَّ غَزْوَان وَأَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ كَانَا فِي بَعْض مَغَازِيهمْ , فَكُشِفَتْ جَارِيَة فَنَظَرَ إِلَيْهَا غَزْوَان , فَرَفَعَ يَده فَلَطَمَ عَيْنه حَتَّى نَفَرَتْ , فَقَالَ : إِنَّك لَلَحَّاظَة إِلَى مَا يَضُرّك وَلَا يَنْفَعك ; فَلَقِيَ أَبَا مُوسَى فَسَأَلَهُ فَقَالَ : ظَلَمْت عَيْنك , فَاسْتَغْفِرْ اللَّه وَتُبْ , فَإِنَّ لَهَا أَوَّل نَظْرَة وَعَلَيْهَا مَا كَانَ بَعْد ذَلِكَ . قَالَ الْأَوْزَاعِيّ : وَكَانَ غَزَوَانِ مَلَكَ نَفْسه فَلَمْ يَضْحَك حَتَّى مَاتَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ جَرِير بْن عَبْد اللَّه قَالَ : سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظْرَة الْفُجَاءَة ; فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِف بَصَرِي. وَهَذَا يُقَوِّي قَوْل مَنْ يَقُول : إِنَّ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ ; لِأَنَّ النَّظْرَة الْأُولَى لَا تُمْلَك فَلَا تَدْخُل تَحْت خِطَاب تَكْلِيف , إِذْ وُقُوعهَا لَا يَتَأَتَّى أَنْ يَكُون مَقْصُودًا , فَلَا تَكُون مُكْتَسَبَة فَلَا يَكُون مُكَلَّفًا بِهَا ; فَوَجَبَ التَّبْعِيض لِذَلِكَ.